

يقول أسعد العيداني:
"كانت تجربة السجن قاسية، لكنها علمتنا الصبر والقدرة على التحمّل. كانت مليئة بالتحديات، لكنها حفرت في ذاكرتي تفاصيل لا تُنسى عن الصمود، والانتماء، ومعنى أن تكون جزءًا من قصة لم تُكتب نهايتها بعد."
ويتابع:
"كان عدد السجناء يبلغ حوالي خمسة آلاف، موزعين على خمسة أقسام، حيث كان القسم الواحد يضم بين ألف وألف ومئتي سجين. في تلك الفترة، حصل رشيد أبو العز على موافقات لإنشاء بعض المنشآت داخل السجن، وكان ذلك أمرًا غير مسبوق. بدأ السجناء في تحسين أوضاعهم، وتم بناء بعض المرافق الجديدة."
ويضيف:
"علّمتنا الحياة في السجن الصبر والتكيف مع الظروف القاسية، وأثّرت بشكل كبير على شخصياتنا. كان على كل سجين أن يتعلم كيفية التعامل مع الآخرين، حتى لو كانوا مختلفين عنه في الفكر والمعتقد. كما تم تأسيس فرق رياضية لتنظيم بطولات كرة القدم، وكانت هذه إحدى الوسائل لقضاء الوقت والتخفيف من قسوة السجن."
تحولات كبرى داخل السجن
في تلك الفترة، أعلن السيد محمد محمد صادق الصدر (قدّس سرّه) مرجعيته، وكنت حينها داخل السجن. بدأت تُقام صلاة الجماعة بانتظام، وتوالت الأحداث الكبرى في العراق. دخل كثير من أنصار السيد الشهيد الصدر الثاني إلى السجن معنا، وبعد استشهاده، تحوّلت الأوضاع، واندلعت انتفاضة 3/17 في البصرة.
مع مرور الوقت، ازداد عدد المعتقلين من مختلف أنحاء العراق، مما استدعى فتح أقسام جديدة داخل السجون. كان هناك أشخاص دخلوا السجن وهم لا يعرفون القراءة والكتابة، لكنهم تعلموا أثناء وجودهم هناك، بل إن بعضهم تعلّم حتى اللغة الإنجليزية. صنعت الحياة داخل السجن روابط قوية بين السجناء، حيث تعرّفوا على بعضهم وأصبحوا أكثر تماسكًا.
العفو العام... والخروج المنتظر
في 6/8، صدر عفو عام، لكنني لم أكن مشمولًا به، فخرج بعض السجناء، بينما بقي آخرون بسبب استثناءات قانونية، خاصة من كان محكومًا بالإعدام وخُفّف حكمه لاحقًا. كانت هناك مؤشرات من أن النظام سيسقط قريبًا، خاصة بعد تصاعد التوترات داخل المؤسسات الأمنية.
ويتابع العيداني:
"كان رشيد يخطط لاحتمال عدم صدور العفو، وكان يحاول إيجاد طريقة لكسر السجن بالتعاون مع بعض الشخصيات داخله وخارجه. في النهاية، صدر العفو الأول وخرجت مجموعة من السجناء، لكن بقي عدد محدود منا لم يشمله العفو."
وفي 10/20 جاء الأمر الحاسم: "تبييض السجون بالكامل." جاء أحد السجّانين ليبلغنا بأن جميع السجناء سيُطلق سراحهم. في البداية، لم نصدق الأمر، فقد سمعنا وعودًا سابقة لم تُنفّذ. لكن هذه المرة، كان الأمر حقيقيًا. فُتحت الأبواب، وخرج الجميع إلى الحرية، لتبدأ مرحلة جديدة من حياتنا... مرحلة لم تكن أقل تحدّيًا من تلك التي عشناها داخل السجن.