كتب / سيف أكثم المظفر
تطور الشعوب يحتاج إلى فترات طويلة قد تصل إلى عدة عقود، حقائق أثبتتها صفحات التاريخ، وأكدتها الدراسات، تبعا لظروف المنطقة و تنوع مصادرها الأقتصادية، لكن في ظرف مثل العراق، أرهقته الحروب، وتكالبت عليه المحن، فالمتوقع كان سيئا جدا.
حقبة مظلمة صودرت فيها الحريات ومنعت فيها أي مظاهر للعزاء الحسيني، وفرض عليها أشد العقوبات من ضمنها الإعدام، ومع ذلك كانت تقام بالخفاء -بعيدا عن أعيّن النظام ألصدامي المجرم- بعض المجالس البسيطة.
كسر ذاك الطوق بعد 2003 ، وتنفس الشعب الصعداء، وأخذ يمارس تلك الطقوس الحسينية، ليملأ الفراغ الذي خلفه النظام القمعي على العراقيين، فبدأت تلك الشعائر تأخذ طابعا تثقيفيا أجتماعيا، فضلا عن الحزن والتأسي بال بيت الرسول (عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم).
أنتشرت المنابر الحسينية والمواكب المعزية، طيلة أيام عاشوراء، تتناول السلبيات المجتمعية، وتطرح أفكاراً ورؤى، أجتماعية وسياسية ودينية؛ مستحدثة، تحاول من خلالها إصلاح المجتمع، وأنتشاله من الواقع السلبي؛ الذي رسخه النظام السابق، على مدى 35عاما، من الفقر والجوع والحرمان ومصادرة الحريات.
أخذت المدرسة الحسينية، تنتشر بشكل متزايد، حتى دخلت، كل زقاق وطرقت كل باب، تبدأ تصاعديا؛ لتصبح أكبر مدرسة في العالم، تمتلأ بها الشوارع، ويستقبل بها؛ جميع الفئات العمرية، فهي لا تختص بعمر محدد، بل تدرس الحياة بكل جوانبها وتفرعاتها؛ على مدى 20 يوما، وعلى مساحة غير محددة تصل إلى مئات الإلاف من الأمتار، لا تجد فيها سوى النصائح والفضائل.. الكرم في قممه، والإنسانية في أوجها، ينضم إليها الملايين، لينهلوا من ذاك النبع الحسيني الصافي، دروسا أخلاقية وممارسات إنسانية، وحقائق قرآنية، تقوّم الإنسان أيا كان انتمائه، وتوجهه.
هذه الجموع المليونية التي تحظر كل عام لتتعلم الدروس والتوجيهات، ثم تعكسها على حياتها اليومية، وتعاملاتها الاجتماعية.. فهل تطور الشعب العراقي بفضل القضية الحسينية؟ وما هي الانعكاسات التي ترتبت على هذه القضية المباركة؟
أهم ما أنتجته القضية الحسينية في وقتنا المعاصر، هم تلك الجموع المؤمنة، التي حمت الأعراض والوطن، ومرغت أنوف الأعداء في التراب وأذاقتهم ذل الهزيمة، أنهم أبطال الحشد الشعبي، فكانوا صورا حقيقية من واقعة ألطف العظيمة، في الإباء والشموخ والعزة والكرامة.
لو أجرينا مسحا أجتماعيا، على واقع العراق قبل ثلاثة عشر عاما إلى ألان ، لوجدنا هناك تطورا، اجتماعياً وثقافياً وحياتياً، على مقياس تطور الشعوب، يعد قفزة نوعية في حياة المجتمعات، فسلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أصحاب الحسين (عليهم السلام) فطوبى لمن تمسك بهم، ونتهج نهجهم، ومات على حبهم.