فقضية الإمام الحسين عليه السلام ، هي استثنائية عالمية بل كونية ربانية ، فهكذا أراد الله سبحانه و
رسوله صلى الله عليه وآله وسلم و أهل بيته عليهم السلام أن تبتدء قضية الإمام الحسين عليه السلام ، و لا تنتهي فهي مشروع ثوري إصلاحي لا تتوقف إلى يوم القيامة.
إن مواكب الطبخ و إكرام زوار الإمام الحسين ، تمثل قيمة إنسانية مطلوبة في المجتمع ، فإنها قيمة نبعت من ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، و تأصلت وأصبحت من القيم العشائرية في المجتمع ، فهنالك الكثير من الروايات التي تحبب إطعام الطعام ، و إفشاء تلك القيمة في المجتمع ، حتى أصبحت عرف دارج لدى الشيعة خاصة و المسلمون عامة فنرى على سبيل المثال إن من لديه شخص ، قد مات فإنه يطعم الطعام ، و يرجو أن يبعث ثواب ذلك إلى روح الميت ، كذلك نجد إن المسلمين يزورون المقابر مستصحبين معهم مختلف من أنواع الطعام من فواكه و غيره ، و يوزعونها بغية تحصيل الثواب لميتهم ، وقد أكدت الروايات على استحباب ذلك حتى وإن كان المعطى له غني.
يذكر المحدث القمي في (الكنى و الألقاب) المجلد الثالث رجل اسمه عبد الله بن جدعان ، يسكن مكة و بعد
هجرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، كان الرسول صلى الله عليه وآله و سلم جالس مع مجموعة من الأصحاب ، و علموا بوفاة عبد الله بن جدعان فقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم :( إن النار لا تمس جسد عبد الله بن جدعان ) قالوا: لماذا يا رسول الله؟ قال:( لأنه كان يحب إطعام الطعام ).
إن الإنسان في المنظورة الفكرية الربانية و في شرائع السماء قاطبة ، هو خليفة الله في الكون فالله سبحانه و تعالى هو الخالق و هو الكمال المطلق ، فلقد كرم الإنسان و أعطى له صلاحية الكمال ، قال في الحديث القدسي :(
عبدي أطعني تكن مِثْلي أو مَثَلي تقول للشيء كن فيكون ) فالإنسان باعتباره خليفة الله يجب أن يكون في قمة مكارم الأخلاق و في قمة السمو الروحاني و النفسي ، و كما قيل في الحديث الشريف:( تخلقوا بأخلاق الله ) فالله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق فهو في قمة السمو وهذا يفوق تفكيرنا.
و الشريعة المقدسة وضعت مختلف الأساليب لتهذيب الإنسان و السير به نحو الكمال و من تلك الطرق طريقة القدوة فالإمام الحسين عليه السلام ، الذي بلغ مراتب سامية من الكمال أصبح قدوة لمن أراد السلوك إلى الله سبحانه و تعالى، و نجد ذلك واضحاَ في زيارات الإمام الحسين عليه السلام ، و التي تعتبر مدرسة سلوكية للإنسان فنجد عباراتها تجعل من الزائر متأثراً بالمزور (القدوة) فعلى سبيل المثال يقول الزائر في الزيارات (
أشهد أنك طهر طاهر مطّهر من طهر طاهر مطّهر طُهرت وطهرت بك البلاد ) فهذه العبارات تجعل الزائر يشعر بأهمية الطهارة الروحية والمادية، كذلك نجد عبارة ( أشهد أنك أقمت الصلاة وآتيت الزكاة وأمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر ) فيشعر الزائر بأهمية الصلاة ووجوب الزكاة وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.
إن طرق تنشيط الأمة كثيرة إلا أن أقربها إلى الشريعة المقدسة و إلى روح التشريع الإسلامي هو الطريق الأسرع و الأقرب إلى روح الأمة. فظاهرة المسير إلى الحسين عليه السلام و التي تتكرر كل عام بل في العام مرتين لهي من أقرب الطرق إلى تنشيط الأمة و عدم خمولها فهي طريق سلوك روحاني تربط الأمة بقيم الحسين عليه السلام ، الذي يمثل بدوره مجمل السلوك الربانية لذلك نجد كثير من الروايات التي حثت على استحباب المسير إلى الحسين عليه السلام ، فهناك من الروايات أعطت بكل خطوة ثواب حجة و عمرة ، فرغم أن زيارة الإمام الحسين عليه السلام مستحبة إلا أنها تحتاج إلى جهد نفسي عظيم لذلك أعطيت ذلك الثواب.
إننا نجد وعلى مر العصور أن أعداء الثورة الحسينية من الطواغيت ، يحاولون إطفاء تلك الثورة فكانوا يرغبون في عدم التأثر بالحسين عليه السلام ، لذا حاولوا مراراً و تكراراً منع زيارة الحسين بل و إلغائها ، حتى وصل الأمر إلى محاولة هدم و إلغاء قبر الحسين عليه السلام ، كما فعل المتوكل العباسي لعنه الله ، فلولا أنها تمثل معنى سياسي و هو رفض للطغاة و معنى ثوري و هو استنكار للظالمين لما منعوا الزيارة ، فزيارته عليه السلام تمثل مظهر من مظاهر التمرد ضد الظالمين و الأئمة عليهم السلام ، كانوا يحثون شيعتهم على زيارة الإمام الحسين عليه السلام ، و التأثر بثورته و مبادئه رغم كل الظروف ، فقد روي إن رجلاً جاء إلى الإمام الصادق عليه السلام و قال له: إننا في مدينة نأتي إلى زيارة الحسين عليه السلام عبر البحر وفي بعض الأحيان يكون البحر هائج فهل نذهب إلى زيارة الإمام الحسين عليه السلام وبخاصة وإننا نخاف انقلاب السفينة ، قال لهم الإمام الصادق عليه السلام : " أخرجوا لزيارة جدي الحسين فإن انقلبت (أي السفينة) فإنما تنقلب في الجنة" .