كتب/ اسعد عبد الله عبد علي
ذات مرة كنت في مجلس عزاء, لاستشهاد جندي في قاطع عمليات الانبار, وكان بالقرب من مجلسي عجوزين بنقاش صاخب عن الجيش أيام زمان, وكيف أن صدام جعل من الجيش العراقي من أقوى الجيوش, فذهلت مما اسمع, هل يعقل أن تعيش هكذا أفكار الى ألان في عقول البعض, وهذا يدلل على ضعف الأعلام العراقي الذي فشل على مدار 10 سنوات في فضح ممارسات صدام ونظامه, وتغيير قناعات البعض الخاطئة والناشئة من تأثير المكانة الإعلامية البعثية, عندها قررت أن اكتب مقالا عن منهج صدام في تدمير الجيش العراقي.
يعتقد البعض إن صدام كان يسعى لبناء جيش عراقي قوي, ويستندون في ذلك إلى حملات التسليح المهولة, التي قام بها طيلة عقد الثمانينات, والتي أدت إلى خواء الخزينة العراقية, وخروج العراق من حرب إيران مثقل بالديون للعديد من الدول الغربية, لكن الحقيقة كانت امرأ أخر ! فليس كل الظواهر يمكن الأخذ بها, فهناك أمور تجري بالخفاء, يصعب على الكثير من العوام إدراكها.
● الحملة الأولى, بدأها صدام في عام 1968
لنأخذ تسلسل تاريخي للإحداث, فبعد وصول البعث عام 1968 للسلطة, وصعود صادم للواجهة كنائب للرئيس, كان همه الأول إن يكون ولاء الجيش العراقي له, لعلمه إن كل الانقلابات التي حصلت كان للجيش دور رئيسي فيها, لذا لكي يثبت سلطته كان هدفه الأول كسب ولاء الجيش العراقي, فبدا صدام أولا بحملة تطهير من الضباط الكبار المشكوك بولائهم عبر إعدامات جماعية أو أحالات على التقاعد! فتمت الخطوة الأولى في أضعاف الجيش, فمن دون قياداته والكفؤة يتحول لكيان ضعيف, مما افقد الجيش قوته السابقة, وحصل بعدها هزة عنيفة لكل تشكيلات الجيش العراقي, وبقي ينتظر القيادات الجديدة التي ستحل محل القيادات الأصلية.
● المقربون من المدنيين يتحولون لقادة عسكريين!
بالمقابل عمل النظام على سد الفراغ الذي تركه هؤلاء الضباط, عبر طريقة عجيبة وهي من ابتكارات حزب البعث وقيادته الجاهلة, فقد لجأت الحكومة لاختيار الكثير من المدنيين ( من التكارتة أو ممن يدينون بالولاء للسلطة الحاكمة, وتم الانتقاء بشكل طائفي) وإدخالهم في دورات عسكرية سريعة لم تتجاوز ثلاث أشهر, ومنحهم رتبا عسكرية كبيرة, ثم توزيعهم على تشكيلات الجيش العراقي التي تعاني من فراغ في القيادة, مما أدى لإضعاف الجيش بسبب قيادات هزيلة شبه عسكرية! تفتقد للفكر العسكري, كان وجودها اللبنة الأولى للفساد داخل المنظومة العسكرية, مما جعل الجيش العراقي يعاني فوضى وقلق وفساد غير مسبوق.
●الحملة الثانية, عقد السبعينات وعمليات التصفية
استمرت السلطة البعثية كل فترة بادعاء كشف مؤامرة , ويتم إعدام مجموعات من الضباط! وهذا جرى كله في فترات كثيرة خلال عقد السبعينات من القرن الماضي ,إلى إن تم تصفية اغلب الكفاءات والضباط المستقلين, فكان لابد للقيادات العسكرية أن توالي قادة الحكم وخصوصا صدام حتى وهو بعنوان نائب الرئيس, لكن كان هو الرجل القوي في زمن حكم البكر, وكان ذو صلاحيات واسعة, بالإضافة لعلاقته الجيدة مع السفارة الأمريكية, وكانت جهوده ضد الجيش طيلة عقد هي التي حولته الى جيش فوضوي ضعيف مرتبك تقوده قيادات غير كفوءة.
●الحملة الثالثة, الانقلاب الدموي عام 1979
وفي سنة 1979 تسلم صدام السلطة بانقلاب على البكر, وبدا عهده بمجزرة للضباط المشكوك بولائهم, حيث كان أيسر الأمور هو اتهام بالخيانة, بتقارير كاذبة ترفعها كوادر الحزب, فاعدم العشرات من الضباط الشيعة والمستقلين, وشكل أجهزة امن وأجهزة استخبارات تتجسس على الضباط والجنود, بالإضافة لتشكيل وحدات حزبية لها نفوذ داخل كل وحدات الجيش, مما اضعف قرار القيادات العسكرية, وجعل الكل في خوف وقلق وارتياب! ودفع الجيش العراقي ليقاتل في شمال البلد ضد الأكراد, مطحنة محلية, بالإضافة ولتدمير نسيج المجتمع العراقي, فكان له ما أراد, وتم سحق الكثير من عناصر القوة التي كان يملكها الجيش العراقي.
● الخطوة الرابعة: حرب إيران وعملية السحق
عمل صدام على إدخال الجيش العراقي في حرب ليس للعراق أي مصلحة فيها, بل هي كانت خدمة جليلة للقوى الغربية والامبريالية, التي طالما لعنها صدام بالعلن وهو بالخفاء خادمها المطيع الذليل, ! فشن الحرب ضد الجارة إيران فقط للان الغرب أراد ذلك, فكانت حرب ألثمان سنوات على شريط حدودي طويل, كانت المحرقة الكبيرة لأجيال من الشباب العراقي, الذين دفعوا جبرا لأتون نار لا تطفئ, وتم تدمير جزء كبير من الجيش العراقي خلال الحرب العراقية الإيرانية!
وقام صدام بتأسيس جيش أخر يكون موالي له 100% , وسماه بالحرس الجمهوري كانت مهمته الأساسية في حرب إيران خط حماية للنظام, وتنفيذ إعدامات بحق الجنود الفارين من المعركة, وتصفية الضباط الذين لا يلتزمون بالتعليمات. فهو جيش ضد الجيش.
وقام صدام في الثمانينات بتأسيس جهاز غريب تابع لجهاز الاستخبارات العسكرية اسماه (مديرية الحرب النفسية )ومهمته تحيط الضباط نفسيا ومعنويا, ونشر الإشاعات المرعبة بين الضباط, مما جعل الضباط يعيشون في جو من القلق والرعب والخوف والارتياب الدائم, وخوف مستمر من بطش النظام وغدره .
●الخطوة الخامسة: محرقة الكويت
في عام 1990 اتخذ صدام خطوة غبية, حيث قرر احتلال الكويت بدفع غربي, فكانت من اكبر الخطوات المدمرة لعدد وعتاد الجيش العراقي, حيث كان الغرب لا يرحم وعامل الجيش العراقي بكل قسوة, حيث تم قصف الوحدات العسكرية بأحدث الصواريخ العالمية, وكان عملية الانسحاب من الكويت, عملية كبرى لتدمير آليات الجيش العراقي من أكثر صور الإذلال التي سعد صدام بافتعالها ما دام عرشه باقي وحكمه سيطول, فلا ضير حتى لو احرق كل العراق مقابل بقائه على العرش, فتم سحق الاف الدبابات والمدرعات الروسية الحديثة واستشهد الاف الجنود, مع تدمير البنية التحتية لكل العراق, فكان هذا ثمن مغامرة العميل صدام الطائشة.
● وقت جني الثمار
بعد حرب الكويت عام 1990 تم القضاء تماما على الجيش العراقي, وبقي فقط الاسم, فوصلنا إلى جيش متهالك يعتاش على الرشاوى والفساد, ضياع من كل النواحي, قيادات هزيلة وفاسدة وغير كفوءة , وتسليح ضعيف وقديم لا يناسب المرحلة , تفشي الفساد داخل كل مراتبه ! سطوة الأجهزة الأمنية والاستخبارية والحزبية على القرار, الارتياب والقلق والخوف الكل من الكل, مما يعني عدم تهديد عرش القائد المؤمن جدا ! والحقيقة الغائبة عن خيال عشاق ومؤيدي دكتاتورية صدام, أن إسرائيل كانت تحلم بتدمير الجيش العراقي والذي تدرك مدى قوته, فقام صدام بكل ما يتمناه الإسرائيليون.
إما قضية التسليح التي كان مهووس بها في ثمانينات القرن الماضي, فكانت لديمومة الحرب وكي يحافظ على عرشه فقط ! وهي بالأساس خدمة الغرب, فحققت شركات السلاح الروسية والأمريكية إرباح خالية, ولم تكن بالأساس صفقات حول سلاح ردع أو متطور جدا, بل كان السلاح العادي المطروح في سوق السلاح العالمي ! فأي بناء كان يعمل عليه المقبور صدام ! والغريب إن اليوم يتواجد بعض الإفراد, وبعضهم من ذوي الشهادات العليا ويأتي ويقول إن صدام صنع جيش قويا !
لا اعلم إي وعي هذا الذي يدعي إن صدام كان يسعى لبناء جيش قوي, وكيف يتبنى البعض هكذا طرح ! فهل كان هؤلاء في عالم أخر غير العالم الذين نحن فيه! لكن هذا حال من صدق أكاذيب ماكينة صدام الإعلامية فغابت عنه الحقائق ! أرجوكم أنصتوا لصوت الحقيقة واتركوا عبادة صدام.