- التفاصيل
-
المجموعة: الفضاء الحر
-
تم إنشاءه بتاريخ الأحد, 19 حزيران/يونيو 2016 12:48
-
نشر بتاريخ الأحد, 19 حزيران/يونيو 2016 12:48
-
الزيارات: 1804
كتب/اسعد عبد الله عبد علي
نشرت صحيفة "الجورنال" في عددها (119), خبر صغير في الصفحة الثالثة, أثار فضولي, لأنه يدق ناقوس الخطر على محاور عديدة, ويقول الخبر أن محكمة جنايات محافظة بابل, أصدرت حكما بالسجن سبع سنوات, وغرامة 15 مليون دينار, وفق المادة 6/ ثانيا, من قانون الاتجار بالبشر, بحق امرأة مدانة بتهمة الاتجار بالبشر.
حيث صرح ضمن الخبر رئيس الهيئة الثانية في جنايات بابل, القاضي حبيب إبراهيم في بيان " أن المحكمة نظرت في دعوى امرأة قامت باستدراج أحدى النساء المطلقات, بحجة تزويجها من ثري خارج البلاد, لقاء مبلغ ثلاث ألاف دولار أمريكي, وأضاف إبراهيم أن المرأة كانت قد أبرمت عقدا لبيعها بعشرة ألاف دولار أمريكي إلى أشخاص آخرين, بهدف استغلالها جنسيا في دولة الأمارات المتحدة" مبينا أن القضية معززة بالشهود وكافة الأدلة التي تدين المتهمة, مع ضبط مبلغ بيع الفتاة من خلال كمين نصبته الشرطة للمتهمة.
انه خبر مفزع, يثير تساؤلات كثيرة عن ما يحصل في الخفاء في عراقنا العجيب, فما كان نسميه خيالا, ألان هو واقع يتحقق في العراق, أن الخبر يدفعنا للدخول في عدة محاور, في محاولة لفهم ما يحصل:
تجارة الجنس وعمليات بيع النساء
الخبر يقودنا إلى حقيقة مؤلمة, وهو وجود تجارة لها سوق وزبائن وطرق تمويل, وسماسرة, وموزعين, وأساتذة وطلاب, حلقة متكاملة من الدورة التجارية, فالسوق هو دبي بالتحديد, وباقي أمارات الخليج ذات الطابع السياحي التجاري, هذا السوق يطلب النساء للعمل في تجارة الجنس, فيحرك الطلب تجار الأسواق نحو سماسرة في العراق, لغرض تجميع البضاعة (النساء) ثم الشحن, هنا يأتي دور السماسرة في تجنيد بعض النساء والرجال, للإيقاع بالضحية, لأنه من النادر جدا أن ترغب امرأة للعمل في هكذا قذارة, فيكون الكذب والإغراء هو وسيلتهم, وهو هنا عبر وهم تزويج من الخارج, والنساء بطبيعتهن يحلمن بالزواج, فكيف إذا كان الخاطب خليجيا, أو الكذب عن طريق وهم التوظيف في الخليج, وهم يستهدفون الطبقة البسيطة والفقيرة, أو الأرامل والمطلقات, كي تتقبل العرض, والوقع أن قصص كثيرة مؤلمة تحصل من النادر أن يتم الكشف عنها أو الإيقاع بالجاني, وبحسب الخبر يجب على القوات الأمنية, أن تعرف من الجاني خيوط العصابة, ومن هو المستفيد في دبي, كي تتم ملاحقتهم قضايا, وكي لا تقع ضحية أخرى لهذه الشبكة القذرة.
قضية الاتجار الأطفال
من خلال الخبر يمكن الربط مع أخبار الأخرى, تتحدث عن عمليات خطف الأطفال أو شرائهم من أهلهم, وعندها نتوصل إلى أن الاتجار بالبشر لا يشمل النساء فقط, بل يشمل الأطفال من كلا الجنسين, فعصابات الخطف تنشط في المناطق الفقيرة, والمحافظات الجنوبية, لقربها من موانئ البصرة, كي يسرع الإبحار بالغنيمة, نعم الكثير من عمليات الخطف تكون مقابل الحصول على فدية, لكن بعضها تذهب إلى سماسرة الاتجار بالجنس, حيث يعتبرون الأطفال خير وقود لنخاستهم, تجارة تنشط في الخفاء, ولها نظامها الخاص, من الممكن أن يحصل أي شيء قذر, في بلد الفوضى.
الفقر هو السبب
السؤال الأهم كيف يقبل بعض الناس المخاطرة بحياتهم, والرحيل نحو المجهول, مقابل وعود ومبلغ من المال؟ انه الفقر هو الدافع الأكبر, كي تدفع المرأة نفسها نحو المجهول, وهو من يدفع بعض الناس لبيع أطفالها, كنا نحلم أن يكون العهد الجديد مختلف, حيث نصبح مثل دول الخليج نعيش في رغد من العيش, لكن من جاء للحكم افسد علينا أحلامنا, وها هو الفقر يتضاعف بمعدلات غير مسبوقة, مع أن العراق مر بعشر سنوات وفرة في الأموال, لكنها لم توضع في برنامج عملي حقيقي, ينتشل المجتمع من واقعه, بل ذهبت مع الريح , في جيوب فئة قليلة, وسيستمر الوضع المأساوي, إلى حين قدوم رجل شريف يقضي على الفقر في العراق.
دليل الانحطاط الخلقي
أن قبول البعض للقيام بهذه الأدوار القذرة, من سمسرة وشراء للبشر, أو القيام باختطافهم, ثم ترحيلهم للخارج, مقابل الأموال, هو دليل الانحطاط الأخلاقي الشديد, حيث تكون الضمائر ميتة تماما, بحيث لا يهتم أن يبيع امرأة إلى بيت مومسات وهي لا تعلم بمصيرها, أو أن يبيع طفل لرجل خليجي شاذ, أو أن يسفر أطفال لغرض أن يتم انتزاع أجزاء من جسدهم, لغرض بيعها للمحتاجين من الأثرياء, فتصور معي كم هؤلاء مجرمين وقتلة, بحيث يحققون الثراء على حساب مصير الآخرين.
تقصير في الثلاثي ( التعليم والمنبر والأعلام)
نتوقف هنا ونؤشر إلى خلل فاضح في المنظومة التعليمية, وفي المنبر, وفي الإعلام, فهذه الكيانات لم تستطع أن تربي المجتمع تربية صالحة, بل ها هو جزء من المجتمع ينهش بلحم الجزء الأضعف, اعتقد أن هذا الثلاثي عندما يكون فعالا ويعمل بشكل ايجابي, فانه سيمنع ظهور الاتجار بالبشر, ولأصبح المجتمع أقوى, لكن الحال المزرية الحالية, شريك فيها هؤلاء الثلاثي بسبب ضعف دورهم, مما سمح للبعض أن يسرح ويمرح, ويدمر أعراض الناس من دون رادع.
السبب هو ضعف الدولة
الدولة القوية هي التي يكون القانون فيها مطبق على الأرض, وتكون الدولة دوما لجانب المواطن, توفر له ما يحتاجه وتحفظ كرامته وتحميه من الأخطار, وكل هذا نفتقده لأننا نعيش في دولة الضعيفة, ففي الدولة الضعيفة تنشط فيها كل أنواع الجريمة, وهو ما حاصل اليوم, حيث أن خلافات الساسة وأنانيتهم, مع غياب الرؤية, وصعود من لا يستحق إلى كرسي القرار, اوجد لنا كيان سياسي هش,مما جعل العراق من افسد دول العالم, وهكذا وجدت الجريمة بيئة مناسبة لها في العراق لتنشط, بالمقابل حصل ارتفاع شديد في معدلات الفقر, أذن من صنع جريمة الاتجار بالبشر هو النظام السياسي الضعيف في العراق وهم يتحملون تبعات كل جريمة تحدث لكل مواطن بسيط, هذا الأمر يجب أن يستشعره الساسة ويجعلهم يفهمون دورهم الكبير, في عملية توفير المناخ المناسب للجريمة.
الحل أين؟
كل مشكلة يمكن حلها لكن بشرط, وهو أن تتوفر أرادة حقيقية لحلها, وهنا الإرادة يجب أن تكون من قبل النخبة الحاكمة, لان الحل بيدهم, وهنا نجد أهم مسارات الحل تكمن في:
أولا: تفعيل قانون مكافحة الاتجار بالبشر, الصادر في عام 2012, والذي لو فعل بكل بنوده لتم تجفيف روافد هذه التجارة, فهو يضمن حفظ حقوق العراقيين, وملاحقة عصابات الخطف الإجرامية, وسماسرة الاتجار بالبشر.
ثانيا: على الحكومة الإسراع بوضع برنامج فعلي لخفض معدلات الفقر, لان الفقر هو سبب وقع البعض ضحية سهلة بيد سماسرة وعصابات الاتجار بالبشر, مثل دعم بطاقة تموينية وبطاقة صحية خاصة بالفقراء, مع توفير فرص عمل للفقراء, مع أهمية توفير فرق اجتماعية نفسية تتواصل معهم, كي تساعدهم في حل مشاكلهم.
ثالثا: دعوة الأعلام خصوصا الفضائيات, لتسليط الضوء بشكل كبير على قضية الاتجار بالبشر, كي يكون وعي للناس ليتشكل حائط صد معرفي, ضد الوقوع في شرك الأكاذيب التي يعتمد عليها السماسرة للإيقاع بالنساء.
رابعا: تفعيل دور منابر الأماكن الدينية, بما له من قدسية عند المجتمع, حيث من الممكن أن تشير عبر برنامج متواصل, إلى خطر هذه الحالة, وتوضيح رأي الدين منها, وأهمية تكاتف المجتمع لحماية الفقراء والبسطاء, من شر هؤلاء السماسرة والعصابات الإجرامية.