في زماننا هذا، بعض مسيئي الفهم الذين لاطاقة لهم على إعتلاء المفاهيم الفطرية للإسلام والقرآن ، بإلقاءهم الشبهات حول فهم القرآن وإدعاء سهولة فهمه، يدّعون أنه لاداعي من الرجوع إلى الكتب التفسيرية.
نحن نسعى في هذه المقالة أن نبين المراد من سهولة فهم القرآن بداية وبعد عَدّ بعض فوائد تفسير القرآن، نثبت عدم صحة القول بسهولة فهم القرآن من دون الرجوع إلى كتب التفسير.
المراد من سهولة فهم القرآن
نرى في القرآن الكريم: «وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ» [1]
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان حول سهولة فهم القرآن:
«تيسير القرآن للذكر هو إلقاؤه على نحو يسهل فهم مقاصده للعامي و الخاصي و الأفهام البسيطة و المتعمقة كل على مقدار فهمه. و يمكن أن يراد به تنزيل حقائقه العالية و مقاصده المرتفعة عن أفق الأفهام العادية إلى مرحلة التكليم العربي تناله عامة الأفهام.» [2]
بعبارة أخرى، القصد من سهولة فهم القرآن، الفهم العقلائي والفطري للقرآن. «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها» [3]
طبقا لهذه الآية الشريفة، خَلق اللهُ الناس كلهم على الفطرة الإلهية وكل منهم حسب مستواه العلمي(بأن يكون من عوام الناس أو من خواصهم)، يمكنه فهم تعاليم القرآن الفطرية والعقلائية؛ طبعا العقل الذي يكون في خدمة الفطرة الإلهية الطاهرة ويعتقد بالقرآن وغيرمتحيز إلى إتجاه خاص. «وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنينَ وَ لا يَزيدُ الظَّالِمينَ إِلاَّ خَساراً» [4]
خطاب هذه الآية الشريفة هو أن من لايمتلك الإيمان الكافي بالقرآن، ولو كان مُوفّقا في فهم كلمات القرآن إلا أنه لن يكون مُوفّقا في فهم مفاهيمه العالية والوحيانية.
الآن نشير إلى وظيفتين من وظائف تفسير القرآن
1. تأويل الآيات المتشابهة
جاء في الذكر الحكيم: «هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ محُّكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فىِ قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فىِ الْعِلْم» [5]
يقول صاحب الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل في تفسير هذه الآية الشريفة:
«الآيات المحكمات هي الآيات ذات المفاهيم الواضحة التي لا مجال للجدل و الخلاف بشأنها، كآية: «قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» [6] و «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» [7]
هذه الآيات المحكمات تسمّى في القرآن «أمّ الكتاب» أي هي الأصل و المرجع و المفسّرة و الموضّحة للآيات الأخرى.
و «المتشابه» هو ما تتشابه أجزاؤه المختلفة. و لذلك فالجمل و الكلمات التي تكون معانيها معقّدة و تنطوي على احتمالات مختلفة، توصف بأنّها «متشابهة».
و هذا هو المقصود من وصف بعض آيات القرآن بأنها «متشابهات»، أي الآيات التي تبدو معانيها لأوّل وهلة معقّدة و ذات احتمالات متعدّدة، و لكنّها تتّضح معانيها بعرضها على الآيات المحكمات.
و يمكن إدراج بعض الآيات التي تخصّ صفات اللّه و المعاد كنماذج من الآيات المتشابهات، مثل: «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» [8] بشأن قدرة اللّه، «وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» [9] بشأن علم اللّه، و «وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ» [10] بشأن طريقة حساب الأعمال.
بديهيّ أنّ اللّه لا يد له «بمعنى العضو» و لا أذن «بالمعنى نفسه» و لا ميزان مثل موازيننا يزن بها الأعمال. هذه كنايات عن مفاهيم كلّية لقدرة اللّه و علمه و ميزانه.» [11]
إذن في القرآن الكريم آيات تحتاج إلى تفسير وتبيين؛ فعلى مفسري القرآن تبيين هذه الآيات مستعينين بالروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) الذين هم المصداق الأتم للراسخون في العلم. [12]
لو لم يكن هناك مفسر للقرآن أو لو كان مفسرو القرآن يفسروه بفهمهم القاصر ومن دون إستعانة بالروايات الصادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام)، لنَمت فرق كالوهابية التكفيرية التي تَرى كل أفكارها وأعمالها مطابقة لنص القرآن الكريم.
2. شأن النزول المزيّف والمزعوم
نعلم أن لم يرد في القرآن الكريم إسم لأهل البيت (عليهم السلام)؛ هذا الأمر، سبب إساءة الإستعمال لدى الوهابية ومنكري الولاية؛ والحال أن هناك آيات كثيرة وردت في حق أهل البيت (عليهم السلام). و هذا من جملة وظائف تفسير القرآن.
يقول الله في القرآن الكريم: «وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْري نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ» [13]
شأن نزول هذه الآية حول مبيت الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) مكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الليلة التي هاجر فيها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ ولكن معاوية بن أبي سفيان ولأجل عداوته مع الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، طبقا لرواية؛ كان غاضبا إلى الحد الذي حاول معه تطميع سمرة بن جندب بأربع مئة الف درهم لكي يقول للناس أن هذه الآية الشريفة نزلت في شأن عبدالرحمن بن الملجم قاتل الإمام (عليه السلام)، وقال هذا المنافق ما أراده معاوية منه؛ ولكن لم يقبل هذا الحديث المجعول أحد من الناس كما كان هذا هو المتوقع. [14]
كذلك في آيات أخرى كآية الولاية [15] سعوا في كتمان فضائل الإمام علي (عليه السلام). [16]
يجب العلم أن مفسري القرآن بإستخدامهم سائر العلوم، كعلم الرجال، كشفوا الأحاديث المجعولة ونبذوها جانبا حتى لايمتنع فهم حقائق القرآن بواسطة الروايات المجعولة والإسرائيليات.
الكلام الأخير
في زماننا هذا، بعض قاصري الفكر من المُشككين، بفهمهم الخاطئ من بعض آيات القرآن حول سهولة فهم القرآن لعامة الناس، ألقوا فكرة عدم الحاجة لكتب التفسير؛ والحال أن مفسري القرآن يبينوا الآيات المتشابهة ويعملوا على تشخيص شأن النزول المُختلق.
المصادر
[1] القمر،17
[2] العلامة الطباطبائي، الميزان فى تفسير القرآن، ج19، ص69
[3] روم،30
[4] الإسراء،82
[5] آل عمران،7
[6] الإخلاص، 1
[7] الشورى، 11
[8] الفتح، 10
[9] البقرة، 224
[10] الأنبیاء، 47
[11] مکارم الشیرازي، الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص396
[12] مکارم الشیرازي، الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص 401
[13] البقرة، 277
[14] مکارم الشیرازي، الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج2، ص 75
[15] «إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُون» المائدة، 55
[16] مكارم الشيرازي، الأمثل فى تفسير كتاب الله المنزل، ج4.