كتب / محمد توفيق علاوي:
إن تراجع اسعار النفط على المستوى العالمي لا بد ان تنعكس آثاره على كافة الدول وبألذات العراق، والنتيجة الطبيعية هي تحمل المواطنين في هذه الدول الآثار السلبية لهذا النقص في الموارد، ولكن مهمة الحكومة هي وضع السياسات الإقتصادية والنقدية المدروسة والفعالة للتقليل من هذه الآثار السلبية، فما هي السياسة الإقتصادية والنقدية التي يجب تبنيها للحفاظ على الوضع الإقتصادي للعائلة العراقية وتقليص آثار النقص في موارد الدولة إلى الحد الأدنى بحق المواطن العراقي؟ إن إتخاذ السياسات ألإقتصادية الإعتباطية والغير المدروسة، مع إستمرار الفساد على عدة مفاصل لا بد أن يزيد من معاناة المواطن العراقي، إن هذه السياسات الفاشلة وسلم الرواتب الجديد إنما يعين المفسدين بشكل غير مباشر للتمادي في فسادهم على حساب معاناة المواطن، ولا أزعم هنا أن الحكومة بشكل متعمد تتخذ هذه السياسات لزيادة معاناة المواطن لمصلحة المفسدين، ولكن هذه السياسة الإعتباطية والغير مدروسة ستؤول إلى هذه النتائج المأساوية والخطيرة للأسف الشديد….. فما هو أثر سلم الرواتب الجديد على العائلة العراقية وعلى الموازنة….. هناك نوعين من المصاريف تتكبدها العائلة العراقية الأول؛ المصاريف ألأساسية: وهي مصاريف السكن كألإيجارات أو تسديد دين المئة راتب، ومصاريف المواد الغذائية وألأدوية والطبابة داخل وخارج العراق، والكهرباء والماء والوقود، والنقل وأجور المدارس الخاصة وغيرها من المصاريف الأساسية……..وتشكل هذه المصاريف ٨٠٪ إلى ٩٠٪ من مصاريف العائلة العراقية. الثاني؛ المصاريف الثانوية: وهي مصاريف أقل أهمية كالملابس المستوردة والأثاث المستورد والأجهزة الكهربائية المستوردة والسيارات والهواتف النقالة والحواسيب والسفر للسياحة وغيرها من المصاريف الثانوية….. وتشكل هذه المصاريف ١٠٪ إلى ٢٠٪ من مصاريف العائلة العراقية. إن سلم الرواتب الجديد يعني تخفيض الراتب بنسبة تتراوح بين ٢٠٪ إلى أكثر من ٥٠٪ ، وبمعدل حوالي ٣٠٪، ومعنى هذا إن العائلة العراقية سيتقلص دخلها بحيث لا يكفي لتغطية المصاريف الأساسية فضلاً عن المصاريف الثانوية، ومعنى هذا إن العائلة ستقوم بصرف مدخراتها بحيث ستكون عاجزة بعد فترة من الزمن عن توفير كلف المعيشة الأساسية والضرورية…. الموازنة التي ستغرق البلد في القروض ولن يؤثر عليها سلم الرواتب الجديد إن قانون موازنة عام ٢٠١٦ ألذي أرسل قبل بضعة أيام من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب كان بموازنة كلية للنفقات تبلغ (١٠٦٫٢) ترليون دينار عراقي[حوالي ٩١٫١ مليار دولار]، وإن سلم الرواتب الجديد لم يوفر غير (٣) ترليون دينار حسب تصريح مستشار رئيس الوزراء السيد مظهر محمد صالح وإن الواردات المتوقعة تبلغ (٨٣٫٤) ترليون دينار [حوالي ٧١٫٥ مليار دولار] والعجز في الموازنة يبلغ (٢٢٫٧) ترليون دينار [حوالي ١٩٫٥مليار دولار] يسدد اغلبه من قبل قروض تغرق البلد في ديون بفوائد مختلفة لا قبل لنا بتسديدها لعشرات السنين. أي إن سلم الرواتب الجديد سيوفر مبلغاً أقل من (٣٪) من مجموع الموازنة. فما هو الحل ؟؟؟؟؟؟؟ نستطيع أن ندعي إن أحد الحلول المهمة كما هي أدناه: هذا الحل يتمثل بإرجاع سعر تصريف الدينار العراقي كما كان في بداية عام ٢٠٠٦ أي إلى (١٥٠٠) دينار عراقي لكل دولار، أي بفرق ٣٠٪ عن السعر الحالي، مع الإبقاء على سعر تفضيلي من قبل البنك المركزي أي (١٢٠٠) دينار عراقي للدولار لإستيراد المواد الغذائية الأساسية وألأدوية والمستلزمات الطبية ومصاريف السفر للمرضى الذين يعالجون خارج البلد، وفي نفس الوقت يبقى سلم الرواتب القديم من دون تعديل ما عدا الزيادات لذوي الدخل المحدود. ماهو أثر هذا القرار على العائلة العراقية وعلى الموازنة والإيجابيات الأخرى: أولاً: سوف يبقى نفس الراتب من دون أي نقصان ولن تواجه العائلة العراقية أي زيادة ملحوظة بالنسبة للمصاريف الأساسية، فسيبقى نفس الإيجار ونفس دفعات المئة راتب ونفس أسعار المواد الغذائية الأساسية والماء والكهرباء والوقود والنقل وأجور المدارس وكلف الأدوية والطبابة داخل وخارج العراق. ألأمر الوحيد الذي سيزداد بشكل ملحوظ هو القضايا المستوردة كالملابس والسيارات والأثاث والحواسيب والهواتف النقالة والأجهزة الكهربائية وما شابه، وهذه الأمور لا تشكل أكثر من (١٠٪) إلى (٢٠٪) بالمئة من مصاريف العائلة وبإمكانها تقليصها بسهولة من دون أن تؤثر بشكل ملحوظ على معيشتها وتغطية إحتياجاتها الضرورية. ثانياً: بالنسبة للموازنة فإن الواردات بالدولار كما ذكرنا [٧١٫٥ مليار دولار] ستعادل بالتصريف الجديد (١٠٧٫٣) ترليون دينار، صحيح إن هذا المبلغ هو أكثر من النفقات البالغة (١٠٦٫٢)، ولكن إستناداً للوضع الجديد فستزداد النفقات بمقدار (٣) ترليون دينار بسبب إلغاء السلم الجديد للرواتب فضلاً عن (٣) ترليون دينار آخر بسبب فرق العملة لإستيراد المواد الغذائية الضرورية والمواد الطبية والأدوية والسفر للعلاج خارج العراق، وبهذه الحالة ستبلغ النفقات (١١٢٫٢) ترليون دينار، أي سيكون العجز (٤٫٩) ترليون دينار أي [٣٫٣] مليار دولار. من هذا نستنتج من خلال هذه السياسة إن العجز في الموازنة يمكن تقليصه من [١٩٫٥] مليار دولار إلى [٣٫٣ ] مليار دولار مما يمكن تغطيته بكل سهولة من دون الإقتراض من جهات خارجية. (يمكن مراجعة الجدول اعلاه في الفرق بين الموازنة الحالية والموازنة المقترحة) ثالثاً: إن زيادة سعر المواد المستوردة بمقدار (٣٠٪) بسبب سعر التصريف المقترح للدينار العراقي سيفتح الباب على مصراعيه لتطوير القطاع الصناعي وحتى الزراعي، بحيث يمكن منافسة البضائع المستوردة وبذلك ستلعب هذه السياسة الجديدة دوراً مفصلياً في تنويع مصادر الدخل وتقليل الإعتماد على النفط كمورد شبه وحيد للدخل في يومنا الحالي، وهذا سيكون له تبعات إيجابية كبيرة على الوضع ألإقتصادي المستقبلي للبلد. رابعاً: يجب أن تتزامن هذه الإجراءات مع إجراء توحيد سعر صرف الدينار العراقي كما هو الحال في باقي دول العالم، وبذلك ستتوقف السرقات من خلال شراء الدولار لبيعه في السوق بسعر أعلى، مما يكلف المواطن خسائر سنوية تتجاوز ال [٦٠٠] مليون دولار سنوياً، وذلك لا يتم إلا من خلال فتح كتب الإعتمادات التجارية (L/C) لشراء السلع بالسعر التفضيلي، وليس إعتماداً على القوائم التجارية التي يمكن تزويرها بكل سهولة. إن محافظ البنك المركزي أمام مفترق طرق، إما إعتماد كتب الإعتماد التجاري لإستيراد البضاعة المستوردة وبذلك يمكن ضمان إيقاف السرقات، أو إلإستمرار في إعتماد القوائم المزورة وبذلك يستمر مسلسل السرقات كما يظهر في الإعلام كل يوم، إن إبقاء الوضع القائم في إعتماد القوائم يوجه شبهات الفساد للمسؤولين عن هذا الأمر بشكل مباشر. لقد وقفت المرجعية الرشيدة بشكل واضح ضد سياسة الإقتراض، وهاهي الموازنة لعام ٢٠١٦ تعرض على مجلس النواب مع إقتراض مبالغ قريبة من العشرين مليار دولار، لذلك على مجلس النواب إعتماد الحذر من ألقبول بسياسة توقع البلد في مستنقع القروض لعشرات السنين القادمة، وعلى الحكومة إعادة النظر بقانون الموازنة ودراسة المقترحات أعلاه أو أي مقترحات يمكن أن تصب لمصلحة البلد ولوضعه الإقتصادي، وحماية الأجيال القادمة من معاناة مستقبلية لا يعلم مقدارها إلا ألله. وإذا لم يتحرك السياسيون والمسؤولون عن إدارة البلد في وضع السياسة الإقتصادية بالشكل الصحيح في يومنا الحالي فستلحقهم لعنة التأريخ ولعنة الأجيال القادمة، أنهم بعملهم هذا سيطلقوا رصاصة الرحمة الأخيرة للقضاء على البقية الباقية من العراق، ولكن مع كل هذه الصورة القاتمة فلا زال لدينا أمل كبير في تبني السياسات الصحيحة لإنقاذ البلد وألوصول إلى شاطيء البر والسلام…..