كتب / ابراهيم الصميدعي:
استدعاني منتصف اب المنصرم الى بيروت وجلسنا ساعات طويلة في بيته في الضاحية الجنوبية ، فتح لي باب المنزل بنفسه وبأناقته الفخمة ونحن ندلف في الممر في الطابق الثالث او الرابع قال : مو بس بالعراق صادروا أملاكنا ورجعناها هذه العمارة بناها والدي سنة ١٩٦٩ واستولى عليها السوريون وجعلوا منها مكتب او دائرة أمنية وبعد رحيلهم من لبنان أعدت ترميمها وجعلتها مسكنا ، دخل إلينا احد خدم المنزل ودون ان يسألني قال له : جيبنا الجو حار واحنا گلوبنا حارة ، جيب لنا آيس كريم قلت له دكتور اريد قهوة قال : شلك بالگهوة هسه اكل آيس كريم وبعدين اشرب گهوة ، سألني انت ليش ما ترجع للعراق ، قلت له دكتور انا يآس قال تعال الان ابتدا العمل في العراق ، انتهت الدولة السهلة العراق اليوم يحتاجنا ، قلت يقتلونني ، قال تعال اجلس معي أبلغتهم بترتيب مقر لك بجوار بيتي ، قلت له اني ما خذ منك بس صحن الآيس كريم هذا ومرة ومرة غديتنا علبة سردين وما خلصان اذا نطيتني بيت اشلون ، وطفق يتحدث عن الفساد بأرقام وحقائق سمعت بعضها من قبل وبعضها لاول مرة ، دول ومافيات وشخصيات حول العالم كلها تستثمر في أموال البنك المركزي العراقي ، حتى تجارة المخدرات والسلاح حول العالم ، قلت له دكتور على هذا الكلام لا تفكر بحمايتي احم نفسك انا واثق انهم سوف يقتلونك انت ، ارجوك دكتور خذ الحذر ، ابتسم وقال يلا يابه خل يكتلوني بلكت الله يغفر لنا الي صار بالعراق ، لكن اطمأن حتى ان قتلوني قضية الفساد في العراق سوف تكون دولية ، حركتها من الفيدرالي الأميركي ( الوول ستريت جورنال اليوم على صدر صفحتها الاولى اوردت ان الفيدرالي الأميركي ابتدأ التحقيقات بسياسات البنك المركزي العراقي )
بعد شهر اتصلت به من عمان منزل المصرفي الأردني حسام المجالي وبحضور نخبة من صحفيين اقتصاديين وشخصيات ، فتحت سماعة الهاتف والقى لهم محاضرة طويلة عن العراق والفساد والبتراء والمنطقة ، سلموا عليه بإعجاب كبير واحدا واحدا وقال له حسام تسعة من موظفيك في البتراء أصبحوا وزراء وستة منهم رؤساء وزارة ، نحن تلاميذك دكتور وسوف ننطلق بحملة علاقات عامة في كل الاتجاهات لأجلك ، قال ابراهيم خذ التلفون واغلق السماعة اريد ان أبوح لك بسر ، قلت نعم ، قال لم التق الملك حسين رحمه الله أبدا كل وجودي في الاْردن لكني التقيت به اربع مرات بعد خروجي من الاْردن ، اخرها في السنة الذي توفي فيها حين كان يتعالج في اميركا في المرات الأربع طلب عودتي للأردن لحسم ملف البتراء وإعادته للعمل ، وفي المرة الاخيرة اصر علي كثيرا ان اعود معه حين إنهاء العلاج ، لكنه انتقل الى جوار ربه
اتصلت به الخميس المنصرم وكنت في بغداد ، كان في لندن وكان معي الصحفي في الشرق الأوسط معد فياض ، تحدثنا طويلا واتفقنا لإجراء لقاء مطول للصحيفة ، قلت له متى تعود قال بلكنته البغدادية المحببة : يابه بالعراق لا تقول شوكت تسافر وشوكت ترجع لان ما تعرف ( هذوله ) شنو محضريلك ، لاول مرة اجده حذرا جدا ، حذرا حد الخوف واعلم انه لا يخاف .
السبت اتصل بي سكرتيره الشخصي وقال الدكتور يقول الدكتور يقول خل يجي ابراهيم الاثنين ( أمس ) قلت له ابلغني ( مركز الرافدين ) انهم مدعوون لعشاء الأربعاء ( غدا ) على عشاء عند الدكتور ، وستكون فرصة اجمل لحديث صريح ومباشر وايضاً سنحاول ان نوثقه للشرق الأوسط
هاتفت أمس الدكتور برهم صالح مساء وكرر دعوته لي لزيارته في الاقليم ، قلت له لننتظر الطبخة التي توجه بها القادة للإقليم اليوم والاربعاء سوف نلتقي الدكتور الجلبي واعدك بعدها هذا اللقاء سوف اتفرغ لزيارتك ،
أردنا واراد الله والله يفعل ما يريد ، حمل إلينا هذا الصباح نبأ انتقال الدكتور الچلبي الى جوار ربه ، علمت من مكتبه انهم وجدوه ميتا على كرسيه داخل غرفة نومه وهاتفه بيده بعد ان كسروا شباك غرفة النوم ودخلوا اليه ، إغلاق غرفته محكما عليه يعني انه كان حذرا من امر ما ..
الإعمار بيد الله لكني تساورني شكوك كبيرة ان الدكتور لم يمت ميتة طبيعية ،
انتقل الجلبي الى جوار ربه ، ولم يشهد العراق شخصية سياسية مثيرة للجدل مثله أبدا ، الكثيرين يرونه سببا في كل ما جرى في العراق بعد إسقاط النظام العراقي وربما لهم الحق ، لكن من يجلس معه يدرك ان هذا الانسان لم يرد الا الخير للعراق وكان يحمل حلم بناء دولة عصرية ديمقراطية قوية وثرية لكن الأمور خرجت من يده وكان دائماً ما يتعرض للإزاحة خوفا من عقليته الفذة والكبيرة ، لكن بالمجمل يتفق كل من يعرفه عن كثب ان هذا الانسان الليبرالي الحقيقي الذي لم يدخن ولم يزن ولم يعاقر الخمر أبدا لم يكذب أبدا ايضا
ارحل بسلام أيها الاخ والصديق والأستاذ وسوف تندبك أمة ضيعتك كما ندبت من ضيعتهم قبلك ، ارحل بسلام واتركنا نبكيك بكل ما تراكم في قلوبنا من احزان رغم ان رحيلك جاء ونحن الأكثر احتياجا إليك .
التمس منكم احترام حرمة الموت