كتب / حسين فوزي :
أية مراجعة امينة لإقتصادنا تبين ان منطقة العمارة كانت من اغنى المناطق الزراعية، والحق استغلال اراضيها الجائر افدح الأضرار في مطلع القرن العشرين، كذلك حال بقية مناطق مزارع الشلب. وكانت موارد ولاية البصرة ومن ضمنها العمارة والناصرية موردا رئيسا للدولة العثمانية.
وجاء اكتشاف النفط عام 1927واستخراجه بطريقة حديثة عام 1934من حقل بابا كركر (الإله الغاضب)، بداية تحول رئيس في مواردنا، والتي قفزت بعد اكتشاف حقل الزبير عام 1948 وتصديره في نفس تاريخ تصدير الكويت عام 1951، لتصل عوائدنا النفطية إلى اكثر من 20 مليون دينار سنوياً، مقارنة بموازنة لم تزد على 12 مليوناً. وكانت الحصة الرئيسة من صادراتنا من حقلي البصرة: الزبير والرميلة. وكان للبصرة وكركوك الكثير من العطاء الزراعي، خصوصاً وان في البصرة اكبر غابات النخيل العراقية آنذاك، وهي ميناء التصدير.
وبروح وطنية مؤمنة بالعراق الموحد، لم يمن الكركويون او البصريون على بقية العراق، لأنهم منبع عوائد ضخمة تخطت كل الناتج الوطني الزراعي والصناعي. وكان اهالي المحافظات الجنوبية والوسطى يوفرون الكثير من المنتجات الزراعية، لكنهم شان اهالي البصرة، كانوا يعانون من تعالي البعض من الأدعياء وقياداتهم، حد انهم قسموا العراقيين إلى “شرقيين” (شراكوة)، وهم ادعياء الحضارة، رغم اغلبة طابع البداوة على هؤلاء المتعالين.
وكان فيصل الأول يتعاطف مع اهالي متصرفيات الوسط والجنوب، منطلقاً من اعتبارات ولائهم لـ“ال البيت”، ومعاناتهم من التمييز الطائفي زمن الحكمين العثماني والبريطاني. بجانب حقيقة ان وسط العراق وجنوبه كان المورد الرئيس للإنتاج الزراعي الذي جاء النفط ليضاعفه.
حالياً ومع اكتشاف النفط في مناطق جديدة من الأراض العراقية، بدأ يطلع علينا من يمن على العراقيين بعوائد النفط المكتشفة في محافظاته والإقليم، متناسياً ان كل ما شيد في العراق هو من عوائد نفط البصرة وكركوك. بالتالي هل سأل احد نفسه عما قُدم لهاتين المحافظتين؟
البصرة اصبحت خربة، وبيوت اهلها اغلبها آيلة للسقوط، فيما “الأغراب” من المتعالين على اهل البصرة والجنوب استملكوا الكثير ليشيدوا العمارات والفنادق. وغابات النخيل اقتلعت بدون اي تخطيط, فالتصحر يخنق البصريين، ودرجات الحرارة تقتلهم، بجانب تلوث الغاز المحترق من أبار النفظ.
أما كركوك، فقد يكون من حسن حظها تولي ادارتها من قبل حزب واحد قيادييه بدرجة عالية من بعد النظر والنزاهة، فاصبحت كركوك اليوم افضل حالاً من البصرة، عدا ملعبها الأولمبي (هبة السماء للصوص).
إن المراهنين على العوائد النفطية لمحافظاتهم او ألإقليم يغامرون كثيراً في التمنن على بقية العراقيين، وهم سيواجهون اعباء لم يحسبوا حسابها، إن واصلوا خططهم في الأستفراد بعوائد النفط المستخرج من مناطقهم. وسواء راق الأمر للبعض ام لم يرق، فأن مخصصات كبيرة تقتطع من موازنة العراق للبعض، وهم لايعرفون اية نعمة يحظون بها بفضل نفط البصرة وكركوك، فيما البصرة تعاني من اسوأ حالات الإهمال وعدم كفاءة الإدارة وفسادها، والمتمنون ليسوا بنزاهة افضل.