زراعة البصرة تعلن عن البدء بحملة مكافحة حشرة حفار اوراق الطماطم
   |   
تسويق أكثر من 400 الف دجاجة للاسواق المحلية خلال شهر تشرين الأول الجاري في البصرة
   |   
انتهاء فترة الاعتراضات على قرعة الـ 13 ألف درجة وظيفية في البصرة
   |   
مصدر : الحبس 4 سنوات بحق مدير مخدرات البصرة السابق بتهمة الرشوة
   |   
السكك تخصص قطارات حديثة لنقل الجماهير الرياضية من بغداد الى البصرة غداً الاربعاء لحضور مباراة منتخبنا الوطني ضد شقيقه الفلسطيني ضمن تصفيات كأس العالم
   |   
مرور قضاء الزبير يباشر بمحاسبة مركبات الحمل المتوقفة داخل المناطق السكنية في القضاء".
   |   
ماء البصرة: إطفاء مشروع خور الزبير من الصباح لغاية الـ 3 مساءً غدا السبت!
   |   
زراعة البصرة تسجل زيادة في نسبة إغمار الأهوار و المسطحات المائية
   |   
حكومة البصرة تبحث مع بعض الوحدات الإدارية والدوائر الحكومية تعارضات المشاريع على تحديث وتوسيع التصميم الأساس لبعض الأقضية والنواحي
   |   
مواطنون يشكون من كثرة قطع التيار الكهربائي في عدد من مناطق قضاء ابي الخصيب
   |   

ابحث في الموقع

تابعونا على الفيسبوك

اعلانات


قصتي مع حزب البعث ... موقف من مسيرتي العلمية

كتب / د. شكري الحسن:

قبل نحو 18 عاماً.. كنتُ لم أزل طالباً يافعاً يدرس الماجستير في جامعة البصرة.. ونظراً لاندفاعي العلمي الجامح آنذاك.. كنتُ أنشد دائماً تقصي الحقائق المثيرة..

إذ تجمعت لديّ في أثناء فترة الدراسة بعض المعلومات عن تجفيف أهوار جنوبي العراق.. التي كان كانت حينها موضوعاً سياسياً ساخناً.. مجرد الهمس به قد يقود بصاحبه إلى مقصلة الإعدام.. فمن المعروف أن مشروع تجفيف الأهوار كانت الغاية الأولى والأخيرة منه هو سحق جيوب المقاومة المسلحة التي أذاقت النظام السابق الأمرّين واتخذت آنذاك من مستنقعات وقصب الأهوار معقلاً حصيناً لها..

أهوار جنوبي العراق.. كانت بيئة حياتية غنّاء.. رائعة الجمال.. وتنبض بمختلف ألوان الحياة الزاهية.. ومن أرواع مشاهد الطبيعة في العراق قاطبةً.. لكن هذه الصورة الزاهية ما لبثت أن تشوهت معالمها ومحيت تماماً بعد تنفيذ حملة جبارة أبان عقد التسعينيات لتجفيفها بكل ما تحويه من تنوع أحيائي بهيج..

الموضوع برمته كان سياسياً بامتياز.. وكان محظور على العلماء والباحثين العراقيين الخوض فيه لا من قريب أو بعيد.. وإلا فأن العواقب ستكون وخيمة لمن يجرؤ على التطرق إليه ولو ببنت شفه..

في آذار من عام 1997 أقامت كلية العلوم في جامعة البصرة.. مؤتمراً علمياً حول البيئة العراقية.. سمعت به بالصدفة.. وقررت المشاركة فيه ببحث يتناول الجوانب السلبية لتجفيف الأهوار.. لكنني لم أشر في عنوان البحث إلى ذلك بشكل صريح.. ولم أكن أعلم في الواقع بما سيجره عليّ الأمر من عواقب.. ربما حين كتبته كانت الرغبة في إظهار الحقيقة العلمية هي هدفي الرئيس دون أية مزايدات أو تفكير بالنتائج التي ستترتب على ذلك.

 

تم قبول البحث في المؤتمر.. وقبلها استدعاني عميد كلية العلوم في حينها (أ.د. كوركيس عبد آل أدم).. الذي ربما أراد التأكد من قدرتي على إلقاء البحث وما أرمي إليه في الباطن.. ظل يتأمل في وجهي.. ويتأمل.. ثم قال ليّ مشجعاً توكل على الله يا بني.. مع إهدائي نسخة من أحد كتبه!!

حاول بعض الأصدقاء الذي علموا بمضمون البحث.. ثنيي عن قرار إلقاءه في المؤتمر والعدول عن ذلك.. لكنني كنتُ مصراً من باب أن هذا البحث هو مجرد عرض لحقائق علمية بعيداً عن الجوانب السياسية..!!

في يوم انعقاد المؤتمر (25/3/1997).. تفاجأت أن بحثي مدرج ضمن الجلسة الافتتاحية.. يا اللهي..!!! قاعة المؤتمر تغص بالحضور من مختلف الشخصيات والعلماء والباحثين.. ثم يحضر "الجلاوزة".. محافظ البصرة الأسبق محمود فيزي الهزاع (أبن خالة صدام حسين).. و نوري السعدون "السيء الصيت".. عضو فرع الحزب.. وينتشر رجال الحمايات بزيهم العسكري الزيتوني "المقيت" عبر أرجاء القاعة كلها مدججين بالسلاح.. في منظر مرعب ومثير للفزع.. وبسرعة تلاشت من القاعة أجواء العلم والبحث العلمي لتتحول بدلاً عنها إلى أجواء الحرب والعسكر!!!

نودي بإسمي لأعتلي منصة القاعة لإلقاء البحث.. كان يجلس الى جانبي معلمي الكبير (المرحوم د. محمود الحبيب) الذي حضر المؤتمر لأجلي.. شدّ على يديّ.. متمتماً بكلمات.. "ليكن الرب في عونك".. تلفظت الشهادتين ونهضت بكل ثقة.. وقفت أمام المنصة.. وبدأت بالإلقاء بمنتهى الهدوء والاتزان.. القاعة تصغي بعناية.. وحينما شرعت بذكر مساوئ تجفيف الأهوار وسلبياته.. لمحت في الحاضرين الحيرة والقلق وبدأت الوجوه تتغير ألوانها وملامحها.. وساد صمت مطبق في أجواء القاعة.. يا اللهي ما الذي يحدث!!؟ الجالسون في الصف الأمامي من المسؤولين أحدهم ينظر خلسة للأخر باستغراب والحرج يعلو وجوههم.. وكأنه قد تم الإيقاع بهم في كمين محكم!!

أنهيت عرض البحث.. بعد مضايقات من رئيس الجلسة بحجة انتهاء الوقت (وهو أستاذ فاضل.. ومن علماء العراق الأفذاذ.. وأخبرهم بأهوار العراق).. فكان أول المعقبين على البحث.. إذ راح يخطأ كل ما ورد فيه من معلومات.. وظل يلفق الاكاذيب بشكل غريب ويأتي بـ"محاسن" تجفيف الأهوار التي قامت بها القيادة والثورة.. ووووو... انتابتني الدهشة والصدمة مما يقول.. أيعقل هذا الذي يتحدث به دكتور فلان..!!؟ تعساً تعساً..!!

ثم أشر "السيد المحافظ الأسبق" ليأتوه بالميكرفون.. وحمداً لله أنهم لم يأتونه برأسي..!! فأنهال عليّ بالتوبيخ وقد انتفخت أوداجه وعينيه الحمراويتين.. صارخاً أن غير مسموح لي أو لأي باحث أخر التحدث بهذا الموضوع مطلقاً.. ومبرراً أن تجفيف الأهوار هو من أجل توفير أراضي زراعية.. وهو هدية مقدمة من القائد الضرورة.. وأن كل من يقول عكس ذلك.. فهو أما من المتآمرين أو مؤيد للمخربين!!! ثم تناول الميكرفون "الرفيق الهمام نوري السعدون".. الذي لم يتمالك أعصابه.. وراح يزمجر في القاعة صارخاً أن كل ما قيل هو خلاف لرؤية القيادة الحكيمة.. وإذا كانت الأهوار تنعم بمختلف أنواع الحيوانات والطيور.. فلتذهب كلها إلى الجحيم وبئس المصير.. ما دامت القيادة سالمة!!! ويقفز شخص أخر من الخلف ليؤيد كلامهما.. وووو..وهكذا دواليك...

وإزاء هذا الموقف المتوتر.. ارتأيت بعد تفكير خاطف.. أن أحافظ على رباطة جأشي.. والتزم الهدوء التام ما استطعت.. فقد أوصلت الرسالة.. وأن أية كلمة أخرى مني خلاف ما قالوه.. تعني الذهاب إلى حبل المشنقة لا محالة!!!

نزلت بثقة من على سلم المنصة.. وإذا بي أفاجأ بتصفيق حار من العلماء والحضور ضجت القاعة به ضجا.. يا ربي حمداً لك.. لقد أعاد ذلك السكينة إلى نفسي.. وها قد انتصر قول الحقيقة العلمية على الجهل والجهلة والمتملقين والمخالفين لضمائرهم ولشرفهم العلمي والمهني.. (وما أكثرهم في زماننا هذا)!!!

وبعد مرور كل هذه السنين.. أقول بتواضع أنني أفخر بما فعلت.. فأنظروا ما أنا عليه اليوم بفضل من الله.. وأين باتوا هم!!؟

الحادثة معروفة لدى كثير من أساتذة جامعة البصرة ممن شهدوا وقائعها.. ولا زالوا يتحمدون ليّ السلامة على النجاة منها حتى اليوم.. لكنني أذكر هذا الموقف اليوم.. وأقدمه هدية إلى طلابي وزملائي وأصدقائي كافة.. صحيح أنها تجربة لا تخلو من المجازفة.. لكنها قطعاً كانت تعني ليّ الشيء الكثير.. وأثرت فيما بعد في مسيرتي العلمية وفي مبدئي في الحياة المهنية.. قلْ "الحق" مهما كان وبوجه أياً كان.. وإياك من تزييفه.. أو طمسه.. فذلك سيكون بمثابة الخيانة!!!