كتب / كاظم فنجان الحمامي :
لا ريب أن الانتماء لطائفة من الطوائف لا يحمل ما يعيب المرء وما يسُؤه، لكنه لا يعني إعلان الحرب على الطوائف الأخرى، فالانتماء الطائفي بحد ذاته يعبر عن الاختيار الحر في الولاء لفرقة من الفرق أو لطائفة بعينها، وتفضيلها على بقية الطوائف، والناس أحرار كما أسلفنا في مذاهبهم ومشاربهم، وأحرار في التعبير عن رغباتهم. ولا يعني مجرد الانتماء إلى طائفة، أو فرقة، أو مذهب، جعل الإنسان المنتمي طائفيا، كما لا يجعله طائفيا عمله لتحسين أوضاع طائفته، أو المنطقة التي يعيش فيها، دون إضرار بحق الآخرين.
أما طائفيتنا نحن العرب فلها مخالبها وأنيابها وسمومها ومعاولها التخريبية، لأنها تعني - في أبشع حالاتها – أن الطائفي يمتلك الحق في تكفير الناس، وإزهاق أرواحهم، وانتهاك محرماتهم، ومصادرة حقوقهم، والاستحواذ على ممتلكاتهم، وليست الطائفية حكرا على طائفة بعينها، ولا ميزة لقوم من الأقوام. بل هي حالة شائعة بين العرب. لكنها تطفو هنا وتنحسر هناك، ثم تتفجر بتوقيتات تفرضها الفئات المتعطشة للاستحواذ على السلطة بإيقاعات عشوائية يقرع طبولها زعماء الفتنة.
يتعذر استشعار مخاطر الطائفية بالوحدات المعيارية المتداولة. فهي غير مشمولة بوحدات النظام المتري ولا النظام الانجليزي، لكنها تُحسب بمقدار ما يحمله المرء من تطرف موروث في سلوكه، وفي تنافره مع الطوائف الأخرى.
أخطر ما بلغناه في تطرفنا الطائفي هذه الأيام تمثل بظهور جماعات همجية متعنتة موتورة متشددة، لا تتردد في تكفير الناس لأتفه الأسباب، ولا تتورع في إعلان الحرب الشاملة عليهم. حتى صارت الطائفية من الاستراتيجيات السياسية المرتبطة بأقطاب الصراع في الشرق الأوسط، وذلك من أجل تحقيق المزيد من المكاسب عن طريق استخدام القوة المفرطة، أو عن طريق إشاعة الفوضى العارمة. أو عن طريق إحراق المنطقة بسلسلة دموية لا منتهية من التفجيرات العشوائية والإسراف في القتل على الهوية، وهذا ما شهدته بغداد والمدن العراقية الجنوبية منذ عام 2003 وحتى يومنا هذا، بمباركة ودعم الأقطار المحيطة بالعراق، والتي ماانفكت ترعى التطرف الطائفي وتغذي موارده.
من المفارقات العجيبة أن الطائفيين الذين تظاهروا بشجبهم للمجازر الإجرامية المقززة، التي ارتكبتها داعش ضد الطوائف والأقليات العراقية، أو الذين استنكروا جرائم سبي النساء المسيحيات والأيزيديات، وحرق المساجد ونبش المقابر، وتدمير الكنائس، وتجريف المواقع الأثرية، أو الذين زعموا أنهم يحاربون الإرهاب ويريدون تجفيف منابعه، ظهروا على حقيقتهم قبل بضعة أيام بعد سماعهم أخبار الانتصارات الساحقة، التي حققها الجيش العراقي ضد فلول الدواعش، فتعالت صرخاتهم الاحتجاجية المدوية، وتبين أنهم ينتمون إلى الأوكار التخريبية، التي أشعلت نيران الفتنة الطائفية في عموم مدن المنطقة. وإلا بماذا تفسرون بكاء بعض ساسة العراق على أشلاء الدواعش المتناثرة في الفلوات ؟. وبماذا تفسرون حالة الإرباك والقلق التي طغت على خطابات زعماء المنطقة ؟.
فكل القصة وما فيها أن طائفيتهم المغروسة في نفوسهم المريضة هي التي وضعتهم في هذه التناقضات الفاضحة، فتأرجحوا بين ما كانوا يفعلونه في الخفاء، وبين ما كانوا يتشدقون به في العلن، حتى أنت يا (؟) بكيت بحرقة على الدواعش، لأنهم قُتلوا على يد من اغتصبوا نسائهم وذبحوا أبنائهم، ونهبوا أموالهم.
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين