رضوان العسكري
كثيراً ما تحدث الإعلام في الوقت الحالي عن قانون الانتخابات (سانت ليغو) المعدل، وهو عبارة عن قانون ذو صفة مطاطية، تتصرف به الأحزاب حسب ما تراه مناسباً لمتطلبات المرحلة، أو حسب ما يناسب مصالحها الحزبية، حيث اثار التعديل الأخير للقانون ضجة كبيرة، في الشارع العراقي، بين الأوساط السياسية والإعلامية، عندما عُدِلَ من (1.4) الى (1.9) ثم تم تعديله ليصبح (1.7)، إلا ان الأحزاب الصغيرة اعترضت اعتراضاً شديداً، على التعديلين الأخيرين، متهمين الأحزاب الأخرى بالدكتاتورية الحزبية، لأن القانون بصيغته الحالية لا يتناسب مع تمثيلهم وحجمهم داخل العملية السياسية.
في الانتخابات السابقة كان القانون (1.4)، وهذه النسبة فسحت المجال امام الكتل الصغيرة ليكون لها تمثيل في البرلمان والحكومة المحلية، إلا انهم استغلوا وجودهم وخذوا يساومون الكتل الكبيرة، لينضموا اليها، فمنهم من وقف على التل ليرى نهاية المعركة، ولمن ستكون الغلبة، لينزل معهم ليحصل على مغنمه حتى وإن كانت وزارة واحدة، كافية لإستيعاب كافة انصاره، ومنهم من ساوم لأجل المال، كما حدث في احدى المحافظات الجنوبية، حيث تم شراء نائبين بمبلغ (4) مليار دينار، ومحافظة اخرى في الوسط تم شراء نائب واحد بمبلغ (4) مليار دينار، محافظات أخرى نفذ كل ما لديها من مناصب التنفيذية، من اجل كسب نواب واعضاء الكتل الصغيرة.
تلك الأمور دفعت الأحزاب التي اشترت أولئك النواب والأعضاء الى المزيد من الفساد، ونهب للمال العام، لكي تتمكن من استيفاء المبالغ المدفوعة لقاء ثمن أولئك الفاسدين، مما إنعكس سلباً على الأداء الحكومي، في ضل التقشف الذي تعاني منه الدولة.
أما الطريقة الأخرى التي تم كسب أصوات الأعضاء بها فهي المناصب الحكومية والتنفيذية، هذا الأمر جعل من الكتل الكبيرة كتل فقيرة وضعيفة في القرار الحكومي، لأنها لا تمتلك اي منصب تنفيذي، لأن الأخيرة وهبت كل مالديها للكتل الصغيرة، وبذلك اصبح ادائها فاشلاً، فأدى الى مزيد من غضب الناخب العراقي على السياسيين.
الاحزاب الكبيرة ادركت الدرس جيداً، فحاولت ان تبعد تلك الأحزاب والكتل والتيارات الصغيرة عن طريقها، بالتصويت على التعديل الأخير للقانون، بداعي فسح المجال امامها للعمل بحرية، وتشكيل حكومات قوية، قادرة على اتخاذ القرارات بحرية اكثر، في حين انها تدعو الى تشكيل حكومات أغلبية، مع مسميات مختلفة بالصفة متقاربة في المنهج.
البعض اعتبر هذا الأمر جيداً، ان يكون الحكم بيد الاحزاب الكبيرة، لكي تتمكن من تشكيل الحكومة بأسرع وقت, والقضاء على المحاصصة الحزبية،
معللين هذا الأمر الى تجارب الدول العظمى، مثلاً: امريكا يحكمها حزبين فقط (الجمهوري والديمقراطي)؛ بينما لديها الكثير من الأحزاب الأخرى كـ (أمريكا الطرف الأول, النازي الأمريكي, الحزب الأمريكي,الشعبي الأمريكي, الإصلاح, أمريكا المستقلة،التراث الأمريكي, الدستور)...الخ من الأحزاب، أما بريطانيا فيحكمها حزبين فقط (العمال والمحافظين) بينما لديها كثير من الأحزاب الأخرى كــ(الإشتراكي البريطاني, الإشتراكي العمالي, ألستر الوحدوي, العمال الجديد, الديمقراطيين الأحرار, اللبرالي)...الخ من الأحزاب الاخرى.
اما اذا أخذنا دولة آسيوية كمثال آخر فلدينا (إيران) التي يحكمها (المحافظين والإصلاحيين) فقط ولديها الكثير من الأحزاب لا يسع ذكرها ونأخذ مثال على ذلك (التحالف الإسلامي, جمعية المهندسين الإسلامية, مديري حزب البناء) وغيرها الكثير من الأحزاب السياسية الأخرى، فكل الاحزاب كانت إسلامية أو رأسمالية أو إشتراكية تعمل لما يصب في مصالحها.
كتب / رضوان العسكري
الأحزاب الصغيرة تتهم الكبيرة بأنها لم تترك امامهم مساحة واسعة للنتافس، مع إن الشارع لم يسمع في يوم من الأيام ماهي مشاريع تلك الأحزاب، كل ما يسمع هو فقط السباب والشتائم وإلقاء التهم لغيرهم، كالطائفية, والفساد والفشل، بينما الكل مشارك في المغانم، ويتهرب من المغارم، لإن الإحصائيات تقول إن نسبة تمثيل الإسلاميين في الحكومة لن تتعدى 51% من المجموع، فإذا كان كل 51% فاشلون وسراق، اذن اين عمل الآخرين؟ اي الـ49% من تشكيلة الحكومة الباقية، وماهي نجاحاتهم؟ وما الذي حققوه على ارض الواقع؟.
فبالنهاية إن نسبة (1.7) جاءت من جانب الأحزاب الصغيرة، فبإمكانها ان تتحالف فيما بينها وتشكل كتلة او كتل كبيرة، وتسحب البساط من تحت الأحزاب الحاكمة والمسيطرة، لأن تلك الأحزاب لا يمكنها ان تجتمع في تحالف واحد، بسبب الخلافات العميقة المشتركة في ما بينها، فأتت الفرصة اليوم للأحزاب الصغيرة ان تحكم، فإذا فشلت في اخذ الحكم يمكنها ان تشكل اقوى معارضة بوجه تلك الأحزاب، وتبدأ بالإصلاح الحقيقي للبلد، وتتوقف عن البكاء الذي صدع رؤس العراقيين، وبالنتيجة لن يختلفوا عمن سبقهم، فكما هم شركاء في المغانم فهم شركاء في المغارم.