كتب / عباس الكتبي
تحدثنا في الحلقات أو الاجزاء السابقة، عن السياسة المالية للإمام عليه السلام، بشكل موجز، والآن جاء دور الحديث عن سياسته الداخلية.
صار أمراً عادياً وطبيعياً عند شعوب العالم، وهي تشاهد وتسمع أؤلئك السياسيين — وخاصة الذين يخضون صراع الانتخابات— يتحدثون عن إقامة العدل، وتحقيق المساواة بين أبناء المجتمع الواحد، وعن بسط الأمن، وتوفير الأمن والأستقرار، وعن القضاء على الفقر والبطالة، وتحقيق الحياة الكريمة من الرخاء والدعة والعيش الرغيد، ويتحدثون أيضاً عن إزالة كل أسباب التخلف والانحطاط، والارتقاء بالمجتمع من خلال العلم والتطور الحضاري.
هذه أهم العناوين البرّاقة، والشعارات المجمّلة، التي يرفع شعارها كل سياسي على أرض المعمورة، ظاهرها الصدق، وباطنها النفاق الأخلاقي، من الدجل والكذب، والضحك على الشعوب، ، ونسبة ضئيلة جداً، من الذين يرفعون هذه الشعارات، هم يوفون بها، نسبة قد لا تعد ولا تذكر.
صدق أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، في قوله:(( الولايات مضامير الرجال))، فالمنصب الحكومي، بمثابة السونار، الذي يكشف ويميز لنا الرجال الصادقين والصالحين، من الكاذبين والفاسدين في الدولة.
مضى عقد ونيف من الزمن، ونحن نسمع صراخاً وعويلاً وبكاءً من الساسة العراقيين: ان التغيير قادم ولم نرَ أي تغيير، سنحارب الفساد ونقضي عليه، وهم أولى بالفساد، أو مداهنة الفاسد، والتحالف معه في كل دورة أنتخابية وإعادته الى المنصب من جديد، يدعون الى الوحدة وهم أولى بالتفرقة.
يقولون: سنحسّن من الوضع الأمني، فيزداد سوءً، وسننعش من الدخل الفردي للمواطن، فيتردى أكثر، وكثير من هذه الأقاويل والدعوات النافقة، فتراهم يقولون ما لا يفعلون، في قلوبهم حب السلطة، نسوا البؤساء والضعفاء، فأنساهم الله تعالى أنفسهم، حتى ملئت بطونهم وأفواههم وأنوفهم وآذانهم ومؤخراتهم وجيوبهم، بالمال الحرام، من قوت الشعب المسكين، وإذا كانوا تخلصوا من عقاب القانون بأسم القانون، فأن عقاب " شديد العقاب" لا ينفذ منه أحدا، حيث قال تعالى في كتابه المنزل:(( ومن يعمل سوء يجزى به))، انه قانون القدرة الإلهي في الدنيا والآخرة.
كفاكم أيها السياسيون: ثرثرةً وتهريجاً في الإعلام، وتحايلاً وخداعاً وكذباً على شعبكم، فأن الناس قد سئمت حديثكم الفارغ، وكلامكم المعسول، أما آن الأوآن أن تخشع قلوبكم، لترحموا وتلتفتوا الى هذا الشعب العظيم المضحي، وتقدموا له ما يستحقه، من هناءة العيش، وتوفير الخدمات؟! ولكن هيهات!! التغيير لا يأتي من أصحاب الهمم الواطئة و الضعيفة!!
يحكى أن أبا مسلم الخراساني — الذي أسقط دولة بني أمية وأسس لدولة بني العباس — كانت له همّة عالية للفتوحات، فقد حُكي أنه عندما كان صغيراً، كان يتقلب في فراشه، فسألته أمه عن حاله فقال: همة تنطح الجبال.
اليوم شعبنا وأرضنا، بحاجة ماسة وشديدة الى سلطات وطنية عادلة، تنتشل مواطنيها من التدهور والضياع الحاصل في البلد، وتصحح الخلل في النظام السياسي، وتنظفه من الفاسدين ونفاياتهم، وتكون أعمالها وأفعالها في خدمة الوطن والمواطن، هي من تنطق وتشهد بصدقهم، بدل ترديد الحديث كالببغاوات.
كان أمير المؤمنين عليه السلام، ذو همّة عالية وعزيمة قوية، في تحقيق العدل السياسي والإجتماعي، في كل مناحي الحياة البشرية، من أجل أن لا يرى في دولته محروم وبائس، فقام بتطبيق القانون أو الدستور الإسلامي، الذي جاء به نبينا الأكرم"صلى الله عليه وآله".
من أهم المبادئ الأساسية، التي سار عليها الإمام عليه السلام، هي:
أولاً: العدل. ثانياً: المساواة. ثالثاً: الحرية. رابعاً: الوحدة. خامساً: التربية والتعليم. سادساً: الكفاءة والنزاهة. سابعاً: حظر المناصب الحكومية على العناصر الفاسدة والسيئة. ثامناً: الشفافية. تاسعاً: المراقبة والمحاسبة.
هذه هي أهم العناصر في السياسة الداخلية، لحكومة الإمام علي عليه السلام، وبعونه تعالى سنفرد لكل عنصر مقال خاص به، بصورة مقتضبة وموجزة.