كتب / ثامر الحجامي
تأسس مجلس التعاون الخليجي في 25 أيار عام 1981, من ست دول خليجية غنية, تجمع بينها تركيبة سكانية واجتماعية متجانسة, وحدود جغرافية مشتركة ووفاق سياسي بين حكامها, سيطر الدافع الأمني على تأسيسه, لمواجهة قيام جمهورية إيران الإسلامية على الجانب الآخر من الخليج, وتداعيات الحرب العراقية -الإيرانية, والحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي (سابقا) والولايات المتحدة الأمريكية .
جاء هذا المجلس ليمثل انسلاخا من الجامعة العربية, بعد ما اعتراها من تفرقة بين دولها, وانتقالها للعاصمة التونسية بعد اتفاقية كامب ديفيد, وغياب القرار السياسي الموحد والصراعات السياسية والأمنية بين دول الجامعة العربية, وغياب القواسم المشتركة بين دول المغرب والمشرق العربي, تبعه تأسيس مجلس التعاون العربي الذي جمع مصر والأردن والعراق وفلسطين, الذي ما لبث إن انتهى بغزو صدام حسين الى الكويت .
ولأن علاقة العراق الذي لم يتم دعوته لهذا المجلس, والجمهورية الإسلامية الإيرانية كانت جيدة مع الاتحاد السوفيتي, فقد اتجه مجلس التعاون الخليجي الى تقوية أواصر العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية, والوقوف بالضد من وصول الاتحاد السوفيتي للمياه الدافئة في الخليج العربي, نتج عن ذلك اتفاقات سياسية واقتصادية وأمنية مع الولايات المتحدة الأمريكية, تمخض عنها صفقات للتسليح بمئات المليارات من الدولارات .
وهكذا استخدم هذا المجلس, الذي كانت تهيمن على قراراته المملكة العربية السعودية, كونها الدولة الأقوى جغرافيا واجتماعيا وسياسيا في الصراع بين الغرب والشرق, فكان نتيجة ذلك حرب الخليج الثانية التي اجتاح فيها صدام الحسين الكويت عام 1991, ثم اجتياح القوات الأمريكية والتحالف الدولي للعراق عام 2003, عن طريق أراضي ومطارات دول مجلس التعاون الخليجي, التي لازالت توجد في معظمها قواعد للقوات الأمريكية .
ثم تطور تدخل دول المجلس التعاون الخليجي وتبعيتها للقرارات الخارجية, خلال أحداث الربيع العربي الذي اجتاح ليبيا وتونس وجمهورية مصر العربية, حيث شهدت تدخلا مباشرا من السعودية وقطر والإمارات في دعم ما يجري على الأرض, من عمليات عسكرية وأحداث دامية شهدتها هذه البلدان, وصولا الى الصراع على الأراضي السورية, ودعم فصائل مسلحة حولت الأراضي السورية الى خراب بدعوى إسقاط النظام السوري, وانتهى بدعم وتمويل داعش والعصابات الإرهابية في العراق .
ثم ما لبث أن تحول الصراع بالوكالة الى صراع بالأصالة بين دول مجلس التعاون الخليجي, بعد غياب الرعيل الأول من الحكام واستلام دفة الحكم من قبل جيل شبابي غابت عنه الحكمة, والاختلاف في المشاريع السياسية والأمنية بين دوله, كان نتيجته التوجه الى محاصرة قطر بدعوى دعمها للإرهاب, في تحالف تقوده السعودية والإمارات والبحرين, جعل الجميع يتفاجأ بحجم الضغينة والعداء بين هذه الدول, التي لم تدع مجالا للتراجع في خطواتها التي اتخذتها ضد قطر, التي أصبحت ترزخ تحت حصار إقتصادي شديد .
صراع دق المسمار في نعش مجلس التعاون الخليجي وأعلن وفاته, ولن تنفع معه جرعات الإنعاش والوساطة, فقد ذهب ولن يعود الى سابق عهده, بل ربما سيشهد صراعا مسلحا بين أطرافه, التي شمرت عن سيوفها ورفعت رماحها, وإستعرت النيران التي كان يغطيها الرماد .