كتب / شهاب آل جنيح
مُتَضادّات ومُتَناقضات جُمِعَتْ فيك يا وطني، فَتَجِدُ من أولى الوطنية المقام الأعلى، وآخر صارت الخيانة شأنه الأسمى، بعض روى بدمه أرضه لتحيّا، وآخر جعل من وطنه ضيعة يرتع فيها اللقطاء، بعض ترك أطفاله وأهله، وراح يبذل مهجته دفاعاً عن عرض شركائه في وطنه، وآخر باع عرضه وكرامته، وجعل من امرأته آلة، يستخدمها الغرباء باليوم سبعين مرة!
بعض اعتلى منصات كان شعارها "إحنا تنظيم اسمنا القاعدة، نقطع الرأس ونقيم الحدود" هذا الشعار ذو الطابع البدوي، يشعرك إن قائليه لم يأخذوا من البداوة، لا العزة، ولا الشجاعة، ولا الكرامة، ولا الغيرة على أعراضهم، بل أخذوا منها الجهل، والتخلف، والقتل والخراب، جُهّآل غرباء، لفظتهم الأرض، ورفضتهم الحضارة، فهم مصداق للآية الكريمة ((إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)).
غرباء جمعتهم الموبقات، عقول متحجرة وقلوب مقفلة، ضيعوا الحق ولزموا الباطل، يَقتِلونَ الجميع سوى من اتبع ضلالتهم، يُفَجِرون، يَذبَحون، يُعَذِبون، يَسرِقون ويُرعِبون، حيوانات مفترسة! تُركت لتفسد في الأرض، استقبلهم وهتف معهم من باع حضه بالأدنى، وأنكر وطنه وأرضه وأهله؛ فصار معهم يلعب برؤوس القتلى، وكأن الجاهلية عادت، ودين محمد لم يظهر بعد!
صاح أحدهم حان وقت قتلكم، وحان معه فتح بغداد العباسية، فنّادى "قادمون يا بغداد"، واعتلت الأصوات استعدوا أيها الصفوية، نحن قادمون، نحن أبناء أمية، هذه هند جاءت حضروا أكبادكم الهنية، جئناكم من أرض بدوية، تسمى العربية السعودية، جئناكم بدين جديد، دين يحكم بالنظم الوهابية، عقيدتنا شرب الأبوال الحيوانية!
بدأت الهجمة الهمجية، فقتلوا وذبحوا، كل شخص لا يرضى الدولة الإسلامية (الإرهابية)، الأرض نُجِسَتْ؛ فقد وطأتها حوافر الوهابية، فمن بين الأزقة النجفية، ومن جوار حامل الراية المحمدية، قال رجل: هبوا للدفاع عن أرضكم والله ناصركم، فكانت هذه كلمة القيادة السيستانية.
اعتلى المجاهدون سواتر العز، بهامات شامخات، مستقبلين المنايا كالأسود الغاضبة، وأنى للأسود أن ترتعد أو تهرب؛ إذا دنت النعامة من عرينها، استبسلوا فهم فتيان من وادي الرافدين، مهد الحضارات البشرية، يتصدون للقطاء، جاؤوا من مختلف الأراضي العالمية، ليولوا لجهنم الأبدية.
المعركة حامية، وأزيز الرصاص في المسامع يصدح، "علي" أحد المجاهدين، يسمع أزيز الرصاص، قال في نفسه: لا تهتم سَمِعتُ يوماً مقولة: إن الرصاصة التي تقتلك لن تسمع صوتها، لكنه وعلى العكس، في لحظة ما انتبه، وإذا برصاصة قادمة نحوه! تغيرت ملامحه دمعت عينه فقد تذكر أولاده الصغار، هما طفلين اثنين، تركهم آخر مرة وهم نيام، فقد التحق منذ الفجر، نظر في وجوههم وكله أمل بالعودة مجددا.
مازال "علي" يستذكر صغاره، وإذا بالمنية اقتربت، والرصاصة في صدره أصابت، صاح بصوت خافت: آه يا وطني، كم أحببتك، وكم أتمنى أن تكون هذه آخر رصاصة تطلق في أرضك! كان بيد "علي" علم، كل همه ألا يسقط من يده، توسد الشهيد في تراب الوطن، وارتوت الأرض من دمه، هذه الأرض طاهرة، وإن دنسها الغرباء؛ فدماء الشهداء تطهرها.