كتب / د.يوسف السعيدي :
يبدو لي ان كلمة (كندير) التي تشير في اللهجة العراقية الى رئيس المجموعة قد اخذها العراقيون من الكلمة الانكليزية conductor ثم اشتقوا منها الفعل ( يتكندر) أي يجعل نفسه رئيسا وجمعوها جمع (تكسير) لتصبح (كنديرية)... وما اكثر الكنديرية في العراق الذين يسمى يعضهم هذه الايام رؤساء الاحزاب او الحركات السياسية او الجبهات الوطنية فكل من وجد له عدداً من الاقارب والاصحاب او من لاذ به عدد من هؤلاء لوجاهة يملكها او المال الذي يشترى به أي شيء فانه يصبح ( كنديرا) اما الفرد من الصفوة المختارة من حملة الشهادات العليا واهل العلم والمعرفة او التكنوقراط فهو لا يلقى بالكاد وبتزكية الاحزاب كلها الا وظيفة مدرس او ملاحظ فني.
واشعر ان ليس من احد يستطيع الجدال بان العصر الذي نعيشه هو عصر العلم وحتى القوة المسلحة التي قد تتفوق بها دولة على دولة فانها تعتمد على العلم في ابتكار نوع متفوق من الاسلحة دفاعية او هجومية كما تعتمد على العلم في استيعاب هذه الاسلحة واستخدامها والتدريب عليها.
اما القوة الاقتصادية فهي بلا جدال تعتمد على العلم، والعلم وحده، في ايجاد تقنيات التصنيع واحداث التنوع في السلعة الواحدة..... ولا يتوقف الامر عند القيمة الاستعمالية بل يتعداه الى القيمة الجمالية أي مظهر السلعة وما يتيحه من اغراء لشرائها كما ان الدعاية لاي منتج تعتمد هي الاخرى على العلم في دراسة المستهلك كصاحب حاجة وكفكر وتكوين نفسي وبيئة اجتماعية.
بل ان" العلم في الاقتصاد لا يتوقف عند مواجهة الحاجات البشرية لكنه يذهب ابعد لخلق حاجات جديدة لم تكن تخطر على بال المستهلك....
وتحتاج القوة المسلحة والقوة الاقتصادية كما يحتاج نجاح الدولة في توفير الخدمات الاساسية للمواطنين والتي اصبحت واجبا على الدولة وليست منة منها.. اقول : ان هذه كلها تحتاج الى الادارة السليمة أي الادارة القادرة على تحديد الحاجات ووضعها في سلم الاوليات، والتطوير المستمر، وتقليل التكاليف بمنع الهدر وايجاد البدائل والى الموازنة بين المال المستثمر والانجاز الذي يقابله.
وقد كان يقال في سالف الايام ان الادارة فن وليست علم يوم كانت التجارة والصناعة تعتمدان على المهارة الفردية لصاحب المشروع، وقدرته الفطرية على القيادة، وتجربته التي كانت متوارئة في معظم الاحيان.
اما بعد التطور التقني المهول والذي نقل العالم في بضعة عقود كان المرء يتصورها تحتاج الى قرون وفي حمى المنافسة بين الشركات داخل الدولة الواحدة وبين الدول وبين تجمعات الدول فان الادارة اصبحت علما بل في المقدمة من العلوم سواء في فن القيادة، او استغلال المواهب، او التطوير، او طرائق الاستثمار، او تحقيق اكبر قدر من الربحية لذلك تهافتت الدول والدول الكبرى خصوصاً على ذوي المعارف لتجلبهم اليها بشتى الاغراءات ومنها حق المواطنة والاجر العالي...
اما نحن فنركن اهل العلم جانبا مكتفين بتكريمهم بكلمة (دكتور) وكأن هذه الصفوة من اهل المعرفة هي من طينة اخرى لا علاقة لها بادراة شؤون البلاد والعباد، بل كأن الوجهاء واصحاب المال وذوي القربى هم وحدهم القادرون على النهوض بالبلاد اما اهل العلم فهم تحف مكانها المنازل والصالونات أو الغرف البائسة في الدوائر والجامعات....
ان من حق اهل العلم والمعرفة (التكنوقراط) بل ان من واجبهم ان يوحدوا صفهم وان ينتزعوا حقهم انتزاعاً لانهم الاجدر في ادارة الدولة وفي ادارة أي محافظة ومع اخوانهم من المشايخ ورجال الاعمال فهذا البلد بلد الجميع وليس ملكا لفئة بعينها وان العراق بحاجة للنهوض على اسس علمية لا ان يبقى راكداً كما كان قبل قرون.... والله من وراء القصد..