جبا - ثقافة وفن:
وكان المتوكِّل جالساً في مجلس الشراب فأُدخِل عليه ، فلمَّا رأى المتوكل الإمام ( عليه السلام ) هَابَهُ ، وعظَّمه ، وأجلسه إلى جانبه ، وناوله الكأس التي كانت في يده .
فقال الإمام ( عليه السلام ) : ( وَاللهِ مَا خَامَرَ لَحْمِي وَدَمِي قَط ، فَاعْفِنِي ) ، فأعفاه وقال له : أنشِدْني شعراً .
فقال الإمام الهادي ( عليه السلام ) : ( أنَا قَليلُ الروَايَةِ لِلشِّعْرِ ) ، فقال المتوكل : لابُدَّ .
فأنشده الإمام ( عليه السلام ) وهو جالس عنده ، فقال :
باتوا على قللِ الاجبـال تحرسُهـم
غُلْبُ الرجالِ فلم تنفعهمُ القُلـلُ
و استنزلوا بعد عزّ عـن معاقلهـم
و أودعوا حفراً يابئس مـا نزلـوا
ناداهمُ صارخٌ من بعد مـا قبـروا
أين الاسرّةُ و التيجـانُ و الحلـلُ
أين الوجوه التـي كانـتْ منعمـةً
من دونها تُضربُ الأستارُ و الكللُ
فافصـحَ القبـرُ عنهم حيـن ساءلـهـم
تلك الوجوه عليهـا الـدودُ يقتتـلُ
قد طالما أكلوا دهراً و قد شربـوا
فأصبحوا بعد طول الأكلِ قد أكلوا
و طالما عمّـروا دوراً لتُحصنهـم
ففارقوا الدورَ و الأهلينَ و ارتحلوا
و طالما كنزوا الأموال و ادّخروا
فخلّفوها إلى الأعـداء و انتقلـوا
أضحت منازلُهـم قفـراً معطلـةً
و ساكنوها الى الاجداث قد رحلوا
سـل الخليفـةَ إذ وافـت منيتـهُ
أين الحماة و أين الخيلُ و الخـولُ
اين الرماةُ أمـا تُحمـى بأسهمِهـمْ
لمّا أتتـك سهـامُ المـوتِ تنتقـلُ
أين الكماةُ أما حاموا أما اغتضبوا
أين الجيوش التي تُحمى بها الدولُ
هيهات ما نفعوا شيئاً و ما دفعـوا
عنك المنية إن وافى بهـا الأجـلُ
فكيف يرجو دوامَ العيش متصـلاً
مَنْ روحهُ بحبالِ المـوتِ تتصـلُ
فبكى المُتوكِّلُ حتى بَلَّتْ لِحيَتَهُ دموعُ عَينَيه ، وبكى الحاضرون ، ثُمَّ ردَّ الإمام ( عليه السلام ) إلى منزلِهِ مكرَّماً .
2109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع