انتشال مدفع لسفينة حربية بريطانية تعود إلى مستهل القرن الماضي من شط العرب

المجموعة: سياحة
تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 24 نيسان/أبريل 2018 23:28
نشر بتاريخ الثلاثاء, 24 نيسان/أبريل 2018 23:28
كتب بواسطة: ناظم
الزيارات: 2115

img

جبا - متابعة:

يسعى مدير هيئة آثار البصرة الى بذل جهوداً حثيثة تتوزع بين الكشف عن الآثار في البصرة وتهيئة متحف الآثار الذي يقول أنه ثاني أكبر متحف في العراق بعد المتحف العراقي في بغداد، وإدامة اهتمام البعثات والمنظمات بدعم عمله.

ويقول مدير الهيئة ، قحطان عبيد ، الذي أيقظ اهتمامه مجددا انتشال مدفع لسفينة حربية بريطانية تعود إلى مستهل القرن الماضي بالعثور على شحنة آثار حملتها إحدى السفن الحربية البريطانية وغرقت بعد تعرضها لنيران عثمانية في الحرب العالمية الأولى.

يقول حول ذلك "عثر كادر الشركة المنفّذة للجسر المعلق الذي يربط ضفتي شط العرب على المدفع وحاولوا إخفاء الموضوع لعدم تعريض أعمالهم للتأخير إلا انه كان هناك بالصدفة شرطي حماية عمل لدينا فترة فاكتسب خبرة ووعيا فأعلمنا بالأمر وتولينا انتشال المدفع الذي يقارب وزنه ثلاثة أطنان وكان على عمق أكثر من خمسة أمتار".

تختلط الحادثة التي يذكرها عبيد بحادثة أخرى تسبقها بعدة أعوام عن هجوم الأهالي في القرنة شمال البصرة على شحنة آثار عراقية لصالح البعثات الفرنسية في عهد البحاثة اوستن لايارد محملة على أكلاك – قوارب مدوّرة- غرق بعضها في دجلة واستولى على قسم منها الأهالي، وهو ما أثار الشكوك حول صحة وجود سفينة آثار غريقة.

لكن عبيد يؤكد كلامه قائلا "حادثة غرق السفينة معروفة في الأوساط البريطانية، كما يذكرها كبار السن البصريين، حتى ان هناك نهرا سمي على اسم الحادثة وهو نهر الروطة، إذ تضطر السفن للإبطاء في دورة نهر دجلة، وهي انعطافة حادة، وكانت هناك سفينتان انكليزيتان قادمتان من الشمال واحدة محملة بالبريد، والأخرى سفينة محملة بالمدافع والآثار، فاستغل العثمانيون ذلك بإصابة السفينتين. وإذا كان ضمن حمولة السفينة ثيران مجنحة ثقيلة فهي بالتأكيد سفينة حربية لقدرتها على تحمل الأثقال، لأن وزن مدافع السفن الحربية آنذاك لا يقل عن ثلاثة أطنان وتكون في الأقل مزوّدة بـثمانية مدافع.

يرى عبيد أن السفينة التي غرقت وما زالت آثارها باقية للعيان في قضاء القرنة هي سفينة البريد، ويضيف "توقعت البعثة اليابانية التي بحثت في السبعينات أنها السفينة التي كانت تحمل الآثار، وقد بحثوا في نهر دجلة مدة ثلاثة أشهر بين منطقتي القرنة والشافي باستخدام الأجهزة المتوفرة وقتها ولم يعثروا على شيء. ثم بحث العراقيون وبعدهم الأمريكان عام 2013 في منطقتي القرنة والهارثة واستخدموا مستشعرات حديثة جدا، دون العثور على شيء لأنهم كما أعتقد بحثوا في المكان الخطأ.

النظرية الجديدة التي تبدو منطقية أن السفينة المصابة واصلت مسيرها على أمل بلوغ الحامية البريطانية في المحمرة آنذاك متخففة من الأثقال غير الضرورية كبعض المدافع، ولذلك سنجري البحث في المنطقة المحصورة بين منطقة العشار - مركز المدينة- وميناء أبي فلوس جنوبا بواسطة المستشعرات الرادارية الحديثة بالتنسيق مع جامعة البصرة".

كلف عبيد عام 2010من قبل مدير الشرق الأوسط بالمتحف البريطاني وبحضور رئيس الهيئة العامة للآثار والتراث بهذا الموضوع، والمصادر البريطانية تشير إلى غرق قرابة (1000) قطعة أثرية مختلفة بعضها ثمين جدا.

مدير هيئة الآثار شاب شغوف بعمله وما آلمه كما يقول تدمير آثار نينوى على يد داعش، فقرر البحث عن الآثار الغريقة مطلع السنة القادمة لتعويض ما خسره العراق "سأبدأ التعاون مع المتحف البريطاني ومكتبة جامعة نيوكاسل التي تضم أكثر وثائق الجيش البريطاني القديمة حول الموضوع".

ويمثل العثور على السفينة البريطانية المحمّلة بالآثار العراقية أهمية كبيرة فالآثار أكثر أهمية من المدونات الكتابية التي قد تُحرّف. كما يرى د. عبد الحكيم الكعبي أستاذ التاريخ والحضارة في جامعة البصرة ويقول بهذا الصدد "نحن نعتقد في التاريخ أن الحصول على قطعة آثار يعني الكثير من الأشياء، فقد تحمل وثائق شبه مؤكدة وتفسر الكثير من القضايا التي نجهلها لغاية اليوم حتى نتوصل إلى معرفة دقيقة".

ويضيف "في حال تم العثور على سفينة الآثار فأن العمل يأتي على تحديد الحقبة الزمنية لها, ومن الطرف الذي عمل على نقل هذه الآثار، نحن نعلم مدى اهتمام البريطانيين بالآثار العراقية. بعض المصادر التاريخية تشير إلى أن احد القناصل الانكليز في البصرة كان يتجوّل في السوق ويقتني الآثار التي جرى العثور عليها في منطقة المربد – الزبير- من الأشخاص الذين عرضوها للبيع في السوق بمبالغ زهيدة. ما يؤكد قيام البريطانيين دائما بنقل أشياء مهمة وثمينة من حضارة العراق القديمة".

يرى الكعبي أن أحدا لا يمكنه التكهّن بسلامة الآثار التي حملتها السفينة، فشط العرب يعتبر من الأنهر التي تتميز بوجود الترسبات الطينية، وفي حال وجود الآثار نأمل بعدم تعرضها لأضرار كبيرة باعتبار أن غالبيتها مصنعة من حجر الكرانيت أو الحجر القديم الذي له قدرة في مقاومة الظروف البيئية.

الآمال كبيرة، لكن ما يعيق عمل هيئة الآثار وحماس مديرها عدم توفر ميزانية تدعم أعمالهم. يقول قحطان عبيد "لم نحظ باهتمام الحكومة الاتحادية ولا المحلية. عملنا يعتمد على التنسيق مع البعثات الأجنبية والمتاحف العالمية، وقد أنشئ متحف آثار البصرة بالتعاون مع عدة مؤسسات أجنبية".

ويضيف "في البصرة (165) موقعا سبعة منها محمية فقط. فكيف نستطيع حماية بقية المواقع الأثرية من التجاوزات والسكن العشوائي؟ قيادة شرطة البصرة أنشأت شرطة حماية الآثار وهم اقل من (100) منتسب لا يمكنهم تغطية أكثر من اربعة مواقع ولديهم سيارة واحدة مستهلكة، ليس لدينا قوّة حماية كافية ولا ميزانية ولا دعم. اعتمدنا على المتطوعين ومجموعات المجتمع المدني والتنسيقيات. أنشأت شخصياً مؤسسة حماية التراث الثقافي وهي واحدة من اكبر المجموعات في العراق".

لم يتوقف طموح قحطان عبيد على افتتاح المتحف أو العثور على سفينة الآثار فقد غامر بدخول حقول الألغام في منطقة خباير مكتشفا مدينة الإسكندر الأكبر (كاراكس) وهي مدينة تعود إلى (324 ق م) وقام بالتنسيق مع بعثة جامعة مانشستر.

يقول عن ذلك "اكتشفنا مدينة الإسكندر عام (2007) حين كنا نمسح شمال البصرة وهي مناطق لم تمسح نهائيا كونها مزروعة بحقول الألغام من الحرب العراقية الإيرانية وكانت مغمورة بمياه الاهوار، واكتشفت أكثر من (14) موقعا اثريا وقد استوقفني أحد المواقع بفعل حجمه الكبير الذي يزيد على (7) كلم، وفيه آثار وأسوار، وسبق للجيش العراقي استخدامه كمعسكر".

ويضيف أدركت أنها مدينة (كاراكسسباسينو) عاصمة الأسكندر خلال حربه على سوسه التي يتحدث عنها التاريخ والتي تم بناءها وتحصينها وأقيم فيها حكما ذاتيا، حتى أنهم سكوا عملة نقدية للمدينة وانشؤوا تجارة بحرية وبريّة نشطة مع تدمر والبتراء والصين آنذاك كونها ميناء عملاق مساحته (365) دونما".

يقول عبيد إن مشروعهم المقبل سيكون على ميناء كاراكس باعتباره ميناء العراق القديم الرئيسي، كما يأمل أن يحالفهم حسن الحظ في العثور على سفينة الآثار المفقودة.