د. معراج أحمد الندوي -جامعة عالية ،كولكاتا / الهند :
الشعر ينبع من الوجدان ويصور الخيال وأحوال النفس. وهو المحسوس الباهر الذي يدركه سائر من كل أفراد المجتمع. إن الشعر هو لغة العواطف وترجمان الأحاسيس. فالشعر يظهر الجمال ويسحر القلوب ويثير الوجدان. يبين الشاعر كل ما يختلج في نفسه عن أساس الحياة وفلسفة العيش ما يراه ويفهمه ويجربه في حياته اليومية.
ومن أهم الوظيفة للشعر هو التعبير عن الجوانب الوجدانية من نفس الإنسان. والشاعر ينظر إلى المجتمع البشري من خلال نافذة وجوده ويرصده ما تدور فيه من روابط وصلات ويتوكف ما تسوده من عادات وتحكم عليه من أفكار وآراء، ثم ينفعل ويتأثر بما يميله عليه المجتمع فتجيش في خلده مشاعر وعواطف تعكسها قريحته بكل شفافية ويحوكه وجدانه المتدفق.
إن الشعر العربي كان مبعثه الاستجابة لأحاسيس النفوس من حب وبغض والتعبير عن رغباتها من إذاعة المكارم ونشر المحامد وتصوير عاطفة الألام والآمال. ومن هنا تنوعت أغراضه وتشبعت فنونه وتناول الغزل والمدح والفخر والهجاء والرثاء والوصف والحماسة والإعتذار ولكل مذهب وفن لغته التي تناسبه وأسلوبه الذي ألصق به، فالأسلوب الأدبي يحرك المشاعر ويهز العواطف يبكي الشاعر الناس إن بكى ويطربهم إن غنى.
فقد حمل إليه التجار العرب إسلامهم ووفد على الهند أعلام الأدب والشعر. فأشعلوا الكلمات الشعرية والأدبية لأهل البلاد مما أدى إلى ظهور أدباء وشعراء في اللغة العربية من أبناء الهند أنفسهم وتفجرت ينابيع العلوم العربية في الهند. نهض من أرض الهند على مر العصور أدباء وشعراء عرفوا بفصاحة اللسان العربي المبين وخرج منها صفوة من العلماء ولفيف من رجال الفكر والقلم الذين أدوا أدوارًا رائعة في مجال التصنيف والتأليف وتركوا آثارًا خالدة.
أنجبت أرض الهند كثيرا من الشعراء المفلقين الذين ابرزوا براعتهم في تذوقهم اللغة العربية وصاغوا انطباعاتهم وأفكارهم في قالب الشعر العربي وضاهوا كثيرا من شعراء العرب في عصرهم ولكن لم يبلغوا مدى ما بلغه شعراء العرب من حيث أن كلامهم العربي لا يخلوا من العجمية ما ينقص قيمتهم الأدبية والفنية.
ومن نافلة القول، أن العصر الذي بدأ فيه أهل الهنود قرض الشعر العربي هو العصر الذي بلغت فيه الأداب العربية إلى درجة الإنحطاط والركود والجمود في البلاد العربية حيث كثراستعمال الصنائع والبدائع اللفظية وقل ابتكار المعاني الجديدة. فكيف يرجى من أهل الهند أن يصونوا أنفسهم من هذا التقليد ويقدموا نوعا جديدا من الأبتكار.
ابتكر الشعراء الهنود أفكارا كثيرة واستخدموا أساليب جديدة وأضافوا إلى ثروة اللغة العربية وآدابها بشعر رقيق رائق من نوع من التجديد في ألفاظ رشيقة ومعاني دقيقة .إن هارون بن موسى الملتاني هو أول شاعر هندي قرض الأبيات باللغة العربية. ولد هذا الشاعر في ملتان نشأ وترعرع فيها فيها، وهو من الشعراء المولدين لقب بالشاعر الملتاني. يقول الملتاني:
أليس عجيبا بأن خلقة له فطن الإنسان
فسبحان خالقه وحده إله الأنام ورب الفيول
يتميز الأدب العربي في شبه القارة الهندية بالقيم الدينية والثقافة الإسلامية خاصة في النثر العربي كما يتميز الشعر العربي بما اقتسبوه من آيات كريمة وأحاديث نبوية. فتناول الأدباء في كتاباتهم موضوعات قصصية وروائية وظروف العصر السياسية والدينية وأغلب ما كتب في العلوم الإسلامية كالتفسير والحديث والفقه. وهكذا تناول الشعراء الهنود موضوعات جادة تتمثل الأغلب الحياة الإنسانية والاجتماعية والفضيلة الإنسانية وحسن الأخلاق وحسن السلوك ومدائح النبوية ومناقب الصحابة.
لقد صاغ الشعراء الهنود انطباعاتهم وأفكارهم في قالب الشعر العربي وأضافوا إلى ثروة اللغة العربية وآدابها الثمينة، حاولوا في قرض شعرا عربيا خالصا يضاهي أشعار العرب ويتدفق بالنشاط والقوة والحيوية كما يتضمن معاني وأفكارا مبتكرة في أساليب جديدة متجددة.