البيانات الحكومية المفتوحة الأساسيات وخدمة المجتمع

المجموعة: الفضاء الحر
تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 14 آب/أغسطس 2017 23:34
نشر بتاريخ الإثنين, 14 آب/أغسطس 2017 23:34
الزيارات: 1634

نتيجة بحث الصور عن ورقة وقلم كتابة

 

كتب / مهدي نافع الاجودي - اختصاصي بالويب تيكنولوجي

 

يعد مصطلح البيانات الحكومية المفتوحة مصطلحا حديثا نوعا ما تم تداوله في مجتمع  الويب حديثا ولَم يظهر الا في عام ٢٠٠٩ عندما بادر الرئيس الامريكي باراك اوباما في بداية توليه الرئاسة الامريكية الى إطلاق هذا المصطلح وجعله للكثير من بيانات الحكومة الامريكية متاحة للجمهور من اجل الاستفادة منها تقنيا . في المكسيك عام ٢٠١٥ تم إقرار مجموعة من المفاهيم الخاصة والممارسات الحكومية من قبل سبعين دولة وحكومة محلية  لتقوية مبادرة البيانات المفتوحة لتكون هدف عام لجميع الحكومات .

يمكن لأي احد ان يتخيل حجم البيانات التي تملكها الدولة والتي تكون حبيسة الورق والاضابير والتي لا يستفاد منها كقيمة بيانية ، فهي في عرف الدولة ارشيف من الأوراق لا غير لكن في عرف التكنولوجيا الحديثة فهي بيانات ذات قيمة كبيرة يمكن الاستفادة منها في شتى المجالات . يمكن لاي احد تصور كمية البيانات في المستشفيات مثلا كعدد المراجعين يوميا ونوعية الامراض التي يراجع عليها والادوية التي تصرف اكثر من غيرها ، ان وضع هذه البيانات بصورة حرة ومفتوحة يمكن ان يساعد الحكومة في صنع الكثير من الاحصائيات وبالتالي يساعدها في تركيز الجهود الصحية باتجاهات معينة ويساعدها ايضا في رسم خريطة جغرافية لانواع الامراض المنتشرة وكيفية التعامل معها كما تساعدها تلك البيانات في الوصول الى التوزيع الجغرافي الافضل للاطباء والمراكز الصحية في انحاء البلاد.

يمكن تعريف مبادرة البيانات المفتوحة على انها " تلك البيانات التي تنشر بصورة مجانية بدون قيود من اجل الاستفادة منها من قبل اي شخص  في اي مجال يريد " تلك البيانات تنشر وفق مبدأ الرخصة المفتوحة Open Licenses اي انها متاحة للجميع ومجانا .قد يكون مصدر تلك البيانات الحكومة وقد تكون مؤسسات بحثية او شركات وقد يكون مصدرها اشخاصا ايضا، العبرة في تصنيفها وجعلها متاحة للجميع ومجانا. عندما تكون تلك البيانات مصدرها الحكومة تسمى بـ "البيانات الحكومية المفتوحة" Open Government Data (OGD) كبيانات السكان والاحصائيات والتشريعات وبيانات التعليم والصحة والاملاك وبيانات الطقس والخرائط وغيرها ، بمعنى انها اي بيانة يمكن للحكومة ان تنشرها وتكون هي مصدرها ويستثنى من ذلك اي بيانات سرية وحساسة والتي قد تعرض الامن القومي للبلد للخطر كالمعلومات العسكرية والامنية المهمة. يمكن الاطلاع على امثلة لتلك البيانات والتي تعد الاشهر عالميا كالبيانات الحكومية المفتوحة للحكومة الامريكية www.data.gov والبيانات الحكومية المفتوحة للحكومة البريطانية data.gov.uk . كذلك فان هناك الكثير من المؤسسات الدولية كمنظمة الامم المتحدة والبنك الدولي لديها بياناتها المفتوحة الخاصة والتي تتضمن الكثير من البيانات والاحصائيات الخاصة بالدول المنضمة اليها . انظر الشكل رقم (١)

 

الشكل (١) البيانات الحكومية المفتوحة

 

هناك لغط كبير حول جدوى جعل البيانات الحكومية متاحة للجميع على اساس ان الحكومة هي المالكة لتلك البيانات وهي الاعلم في استخدامها وهذا نابع من سلطة المعلومة التي تبقي الموظف الحكومي والحكومة بشكل عام هي التي تملك وحدها المعلومة وهي التي تستخدمها وفق ما يخدم مصلحتها والتي تؤدي في كثير من الاحيان لإساءة استخدام السلطة والاحتكار مما يؤدي الى فسادا اداريا وماليا في قطاعات الدولة المختلفة.

يؤكد الباحثون ان مبادرة البيانات المفتوحة تساعد الحكومة في ثلاثة مجالات : الشفافية ، من خلال طرح البيانات الحكومية امام العامة لكي يطلعوا على الممارسات الحكومية . المسائلة ، وهي محاسبة الجمهور للحكومة على تصرفاتها واجراءاتها كنتيجة حتمية لكون تلك التصرفات مكشوفة تماما امام الجمهور. والمشاركة في القرار ، والتي تنتج من خلال استخدام تلك البيانات المتاحة وفتح الفرص امام العامة لتصويب القرارات الحكومية الصائبة وفتح افاق جديدة من خلال تلك البيانات لكي تكون الحكومة اكثر انتاجية وخدمة في قطاعها العام. وفق هذا ستكون مبادرة البيانات الحكومية المفتوحة وسيلة ناجعة في معركة الحكومة ضد الفساد الاداري والمالي في اروقتها وستساعد كثيرا في تقديم خدمة افضل للمواطن.

ان شكل تلك البيانات يجب ان يكون بصورة يمكن استخدامها الكترونيا ، بمعنى لا ينبغي ان تخزن تلك البيانات بصورتها اليدوية كما توجد في اوراقها وإنما يجب تحويلها الى صيغ مقروءة آليا كان تكون في جداول أكسل أو نصوص أو توضع بصيغة CSV,PDF File لان أغلب لغات البرمجة لها القدرة على التعامل مع هكذا نوع من البيانات واستهلاكها تقنيا. كذلك فان الباحثين لم يكتفوا بجعل تلك البيانات بصيغة مقروءة آليا فقط بل جعلوها مرتبطة مع غيرها Linked Open Data  من اجل خلق قيمة مضافة لها وجعلها اكثر فائدة فيما لو تم التعامل معها بصورة منفصلة دون النظر الى ارتباطها بغيرها من البيانات.

إذن أين يجب ان توضع هذه البيانات لكي تكون متاحة للجميع ؟ هل كل مؤسسة تكون مسؤولة عن بياناتها وتنشرها بالطريقة التي ترغب بها وبالمجالات التي تختص بها ؟ من اجل مرونة استخدام هذه البيانات وتصنيفها وفق المجالات الحكومية المتعددة فان أفضل طريقة لنشر تلك البيانات بان تكون هناك بوابة حكومية موحدة يعرض بها كل البيانات الحكومية ( غير السرية بطبيعة الحال) وتسرد بها كل المجالات الحكومية كالصحة ، التعليم ، الإسكان ، الاملاك ، القوانين الحكومية وغيرها وتكون متوفرة وبالمجان لأي شخص يستطيع ان يستخدمها من اجل مراقبة الأداء الحكومية أو خلق خدمات جديدة تستخدم تلك البيانات. هذه البوابة لها حسابات تستخدمها المؤسسات الحكومية من اجل تغذية البيانات الخاصة بها وتكون متاحة اونلاين طول الوقت وفق مبدأ ٢٤/٧ ونقترح ان يكون الموقع الالكتروني الخاص بها محجوز على النطاق الوطني data.gov.iq  كذلك الحكومات المحلية تستطيع ان تخلق بياناتها الخاصة بها بحكم صلاحياتها المعطاة لها وفق القانون وتكون كجزء من بوابة البيانات الحكومية المفتوحة المركزية المقترحة.

وفق تجارب الدول التي سبقتنا في تحقيق هذه المبادرة ، هناك عدة أمثلة للمجالات الحكومية التي قد تتضمنها بوابة البيانات الحكومية المفتوحة المقترحة : البيانات الزراعية ، بيانات الطقس والأنواء الجوية ومسارات الأنهر ومعدلات الأمطار ، احصائيات الاستهلاك بالنسبة للفرد العراقي ، بيانات التعليم والتوزيع الجغرافي للمدارس والجامعات والمناهج التعليمية وعدد الطلاب ، بيانات الطاقة وكمية الانتاج والاستهلاك والتوزيع الجغرافي للمحطات ، البيانات المالية وفرص الاستثمار والتوزيع الجغرافي للبنوك والمشاريع التجارية ، البيانات الصحية كعدد المستشفيات وبياناتها والصيدليات والأطباء وغيرها ، بيانات الحكومات المحلية وميزانياتها والمشاريع التي تقوم بها والخدمات التي تقدمها مع احصائيات المدن والمناطق وتوزيع السكان وتسجيل الاملاك الخاصة بالأفراد ، بيانات المشاريع الصناعية كعدد المصانع والايدي العاملة التي فيها ، معلومات المؤانيء والبحار وعدد السفن والمراكب والممرات البحرية ، معلومات الطرق والخرائط والخدمات التي فيها ، بيانات تفعيل سلطة القانون والمحاكم والشرطة المحلية وتوزيع الجرائم والمطلوبين وبيانات التشريعات القانونية ، بيانات صرف الميزانية الحكومية وسير العمل للمشاريع وكمية الأموال المخصصة لها، بيانات ومعلومات المرور والمركبات والقوانين المرورية ، البيانات الاجتماعية وإحصائيات البطالة والمحتاجين والنمو السكاني . هذه عينة من البيانات التي يمكن ان تحتويها بوابة العراق للبيانات الحكومية المفتوحة وطبعا هي قابلة للزيادة أو التكيف حسب المتطلبات الحكومية. لقد اقترحنا سابقا في بحث منشور في احد المؤتمرات البحثية في بريطانيا تم نشره في مجلة علمية رصينة التصميم العملي والتقني لتلك البوابة وقد ضمناها جزءا من تلك البيانات والتي كانت تعنى بالمشاريع التي تعلن عنها وزارة النفط للشركات التي ترغب في الاشتراك في مناقصاتها ، هذا النظام المقترح يمكن ان يضمن اَي نوع من البيانات التي ذكرت في أعلاه ليكون نواة لقاعدة بيانات الحكومة العراقية المفتوحة.

هناك صور متعددة لاستفادة المواطن من جعل البيانات الحكومية مفتوحة ، مثلا يستطيع المواطن من خلال النظر في ميزانية الحكومة المصروفة باتجاه مشاريع معينة ان يوجه تخصيص تلك الميزانيات باتجاه مشاريع معينة فهو يستطيع أيضا ان يراقب تنفيذ تلك المشاريع ويرفع الشكاوي بخصوصها ، من جانب اخر فالمواطن يستطيع ان يستهلك تلك البيانات لتقديم منتجات اخرى يمكن ان تدخل في سوق العمل ، على سبيل المثال يستطيع مطور البرامج ان يستفيد من بيانات الطقس المنشورة من قبل الحكومة لتنفيذ تطبيقات للطقس يمكن ان يستفيد منها مواطن اخر وكذلك الحال في تنفيذ تطبيقات معينة تعتمد على بيانات حكومية اخرى. كذلك قد لا يكون التعامل مع تلك البيانات بشكل نصي فقط بل يمكن تحويلها الى مخططات ورسوم بيانية لإعطاء صورة أوضح لمجموعة ضخمة من البيانات التي يتعذر دراستها عندما تكون بصيغة ارقام أو نصوص ولكن يسهل ذلك عندما تتحول الى مخططات بيانية من خلال استخدام مبدأ Data Visualization لان الصورة تكون في كثير من الأحيان ابلغ من مئات الأرقام والاسطر .

اخيراً ، على الدولة ان تعي أهمية مبادرة البيانات المفتوحة وتفتح المجال في نشر بياناتها امام الجمهور لإضفاء صفة الشفافية على ممارستها والسماح للمواطن بالاشتراك في صنع القرار من خلال مراقبته للممارسات الحكومية المختلفة وتشجيعه في ادخال تلك البيانات في مشاريع اخرى تساعد في تحريك حركة الاقتصاد من خلال تحويل البيانات من أوراق مركونة في السجلات والاضابير الى بيانات تمتلك القيمة والتأثير